غير مصنفة

التوقيع الترامبي المسنّن

يوسف أبو لوز

بين وعد السياسي الإنجليزي «آرثر جيمس بلفور»، «وعد بلفور»، وبين «وعد ترامب» مئة عام، منها سبعون عاماً والفلسطينيون يذوقون ويلات الوعود المرّة، وبعض الوعود يتقدم، وبعضها يتأخر، ووعد ترامب باعتبار القدس عاصمة ل«إسرائيل» ونقل السفارة الأمريكية إليها لم يتأخر طويلاً حتى لو قال هو إن هذا القرار تأخر، فالرجل لم يمض عليه أكثر من عام في البيت الأبيض. وباقي التعليق عند المحللين والسياسيين المحترفين وغير المحترفين.
ليس من شأن هذا العمود أن يغرق في السياسة، ولكنه يطوف حولها أحياناً بقراءة المشهد خصوصاً عندما يكون مسرحياً بإخراج نفسي سادي.. أو.. مو.. سادي.
كررت الفضائيات العربية وغير العربية أمس صورة توقيع ترامب لوثيقة الاعتراف بالقدس عاصمة ل«إسرائيل» جلس الرجل على منضدة صغيرة جوار منصة الميكروفون وأشهر للعام الوثيقة، ثم أمعن في التوقيع بقلم أسود بخط عريض، وبدا التوقيع بعدما أشهر الرئيس الوثيقة مرة ثانية للعالم أشبه بتلك الخطوط المرسومة على أشرطة فحص القلب، أو الحقيقة أن توقيع الرئيس كان أكثر شبهاً بالخطوط البيانية التي تظهر على جهاز المريض لحظة احتضاره أو قبيل موته، وإذ تتوقف تلك الخطوط ويصدر عن الجهاز صفير معين يعرف عندها أن المريض قد فارق الحياة.
من الذي فارق الحياة أمس؟
الأرجح أو المؤكد أن ما يسمى عملية السلام بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين» قد ماتت، وماتت معها المفاوضات.
مات أمس كل أمل في أي إدارة أمريكية أو التعويل عليها لمصلحة الفلسطينيين، وعلى الفلسطينيين أن يدركوا هذه الحقيقة جيداً بعد اليوم، وإذا كانوا لم يدركوا أن لن يدركوا، فالتوقيعات المسنّنة الرامزة للموت قادمة.
نعاود الآن قراءة المشهد.. فقد كان يقف خلف ترامب رجل يرتدي ربطة عنق زرقاء تتماهى في لونها مع لون ربطة عنق الرئيس.. بدا ذلك الرجل الواقف خلف الرئيس مريباً، ولكنه كان مدققاً جداً في كل حركة تصدر عن ترامب منذ أن وقف على المنصة وحتى توقيع الوثيقة. رجل غامض وواضح في الوقت نفسه.. من هو؟؟ ولماذا هذه الوقفة الصارمة؟؟.. هل هو عنصر موساد؟؟ ربما !!
وقّع ترامب وثيقة الاعتراف وأدار ظهره للكاميرات أو للعالم وغادر غاضباً أو شبه غاضب وهو يلقي بالوثيقة إلى رجل آخر قبل أن يختفي في أحد الأبواب.
ملأت زهور وأشجار عيد الميلاد الخضراء الساطعة بالألوان والأنوار، القاعة التي جرى فيها خطاب الرئيس وتوقيعه، وجاءت الشجرات بمثابة خلفية للمشهد، ولكن هذه الخلفية «الشاعرية» لم تكن لتتلاءم أبداً مع طبيعة وقائع التوقيع الترامبي المسنّن.. الرامز تشكيلياً إلى الموت.
من الذي مات أمس؟
مات كل من تآمر على القدس واحتكرها وجيّرها للصوص والكذابين أبناء اللاهوت الكاذب.. مات الضمير العالمي، وماتت فكرة الديمقراطية والحرية والعدالة في الولايات المتحدة الأمريكية.
وحدها القدس على قيد الحياة.

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى