الجزائر والمغرب..مصلحتهما في تكاملهما
د. محمد الصياد
بعيداً عن المواقف السلبية والانتقادات المرسلة الموجهة من هنا وهناك لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، إلا أن الجيوستراتيجيين (وليس الجيوسياسيين)، ذوي النظرة المعمقة، البعيدة المدى، ومعهم كل من كان قريباً من أجواء العمل الجاري والتخطيطي (قصير ومتوسط الأجل) لكافة أجهزة وفرق عمل المجلس، هم على قناعة تامة بأن مجلس التعاون شكّل صمامَ أمانٍ أمنياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً لبلدان المجلس وشعوبها، منذ قيامه قبل 37 عاماً، وشكل قوة تفاوض إقليمية ودولية متماسكة، استطاعت الذود عن مصالح دول المجلس وشعوبها في الكثير من المحافل الدولية؛ ولذلك نرى حرص كافة دول المجلس على الحفاظ على كيانه، رغم كل الأحداث التي عصفت بالمنطقة.
غنيٌّ عن القول أن العلاقات بين الجزائر والمغرب اتسمت، بصفة عامة، بالتوتر منذ استقلالهما عن فرنسا في عامي 1956 و1962 على التوالي. وقد كنت في المغرب صيف عام 1994، حين وقع ذلك الهجوم الإرهابي على فندق «أطلس آسني» في مراكش، والذي أدى إلى غلق الحدود بين المغرب والجزائر، وفرض المغرب التأشيرة على دخول الجزائريين إلى المغرب، وردت الجزائر بإجراء مماثل، سرعان ما زادت عليه بغلق الحدود الغربية، ودخول العلاقة بين البلدين العربيين الجارين، منذ ذلك الوقت، في مرحلة تصعيدية جديدة تتسم بالجفاء والتنافر، وصلت حد إقامة الأسوار العالية على حدود البلدين. وكنت قبل ذلك في الجزائر، ولمست خلال تلك الزيارة أن مشاعر الشعبين الودية تجاه بعضهما هي نفسها، وإنّ ما يعكرها هو التنافس السلبي (عوضاً عن التنافس الإيجابي) بين نموذجين اقتصاديين اجتماعيين مختلفين، عكس نفسه على صراع حدودي مرير امتد بلا طائل ولا داعٍ، كان بوسع البلدين أن يحسماه لصالحهما المشترك، بما يقطع الطريق على استثماره من جانب القوى الأجنبية وتدخلاتها العاملة على إطالة أمده لمزيد من استثماره.
منذ ذلك الحادث المشؤوم، وعلى مدار 24 عاماً، بقيت العلاقات بين المغرب والجزائر، في حالة شلل تام، وتوقف نشاط اتحاد المغرب العربي الذي ظل منذ تأسيسه عام 1989 رهينة للعلاقات الجزائرية المغربية، وتداعيات نزاع الصحراء بينهما، وذلك رغم قيام المغرب في يوليو/ تموز عام 2004 بإلغاء تأشيرة دخول الجزائريين للمغرب، واستجابة الجزائر (التي لم تكن فورية وإنما استغرقت 9 أشهر)، في شهر إبريل/ نيسان 2005 للمبادرة المغربية بإجراء مماثل. وكانت تقارير غير رسمية تحدثت في عام 2013 عن وجود حوالي 350,000 مغربي في الجزائر. فيما قُدِّرت أعداد الجزائريين المقيمين في المغرب حتى أواخر عام 2014 بحوالي عشرين ألفاً. مع جدارة التنويه ها هنا بأن المواطنين الجزائريين المقيمين في المغرب يتوفرون على تصاريح إقامة يتم تجديدها مرة كل عشر سنوات، دون أن يضطر المواطن الجزائري للإدلاء بشهادة تفيد بأنه يشتغل في المغرب.
يوم الثلاثاء 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 دعا العاهل المغربي، الملك محمد السادس، إلى حوار صريح وواضح مع الجزائر؛ لتجاوز كل الخلافات، وذلك في خطابه بمناسبة المسيرة الخضراء، قائلاً إنه يجب الاعتراف بأن العلاقات مع الجزائر غير طبيعية وغير معقولة، وأن المغرب مستعد لحوار صريح وواضح معها. واقترح إطلاق لجنة للحوار؛ لتجاوز هذا الجمود. وانتظر المغرب الرد الجزائري الذي تأخر كثيراً، ولم يأتِ حتى الساعة. وما عرضته الجزائر الخميس 22 نوفمبر 2018 تمثّل في طلب فجائي تقدمت به رسمياً إلى الأمين العام لاتحاد المغرب العربي؛ للدعوة لعقد اجتماع لمجلس وزراء خارجية الاتحاد في أقرب وقت ممكن.
الوقائع على الأرض، الجغرافيا، روابط الدم، والدين، واللغة، والثقافة، والجدوى الاقتصادية للتشبيك البيني، كلها عناصر مضادة لواقع القطيعة القائمة بين البلدين، حتى أن دومينيك دوفيلبان، رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق في عهد جاك شيراك، أكد في محاضرة حول الحداثة المتوسطية ألقاها في متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر بالرباط، في شهر إبريل الماضي، أن إغلاق الحدود بين الجزائر والمغرب يتسبّب في خسارة ملياري يورو للبلدين. ولعل قيادتَي البلدين العربيين الجارين، تدركان أكثر من غيرهما، أن الظرف الحالي العصيب الذي يجتازه البلدان، يُعد أكبر مبرر وأكبر داعٍ لإنهاء وضع الخصومة القائم بينهما.
alsayyadm@yahoo.com