غير مصنفة

الخيارات الفلسطينية تجاه قرار ترامب

حافظ البرغوثي

عندما أصدرت دولة الاحتلال في سنة 1980 قرارها بضم القدس الشرقية المحتلة، واعتبارها عاصمة لها اتخذ مجلس الأمن الدولي قراراً يدين القرار بأغلبية 14 صوتاً وامتناع الولايات المتحدة عن التصويت ودعا المجلس الدول التي نقلت ممثلياتها إلى القدس الغربية إلى سحبها.
وفي سنة 1995 اتخذ الكونجرس بمجلسيه النواب والشيوخ قراراً بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس على أن ينفذ في موعد لا يتعدى سنة 1999، أي مع نهاية المرحلة الانتقالية في اتفاق اوسلو. بمعنى ان الكونجرس حسم موضوع القدس قبل مناقشته تفاوضياً، وفي حينه خرجت أصوات قانونية أمريكية توضح أن الاعتراف الأمريكي غير دستوري ويتعارض مع القوانين الأمريكية التي تلتزم بالاتفاقات الدولية التي لا تجيز ضم أراض محتلة. لكن أحدا لم يحرك أية مساءلة قانونية ضد القرار لغياب الوعي القانوني العربي عامة والفلسطيني خاصة في هذا المجال، إذ بإمكان أية منظمة أمريكية أو شخصيات أمريكية اللجوء إلى محكمة العدل العليا الأمريكية لإبطال القرار، سواء قرار الكونجرس أو قرار الرئيس الأمريكي ترامب الأخير، لأن كل القرارات والمواثيق الدولية لا تجيز ضم الأراضي المحتلة أو إجراء أية تغييرات جغرافية أو ديموغرافية فيها، وإلا فإن الدولة التي تفعل ذلك ومن يؤيدها من دول تعتبر دولاً مارقة لأنها لا تلتزم بالقانون الدولي. وفي حالة اللجوء لمجلس الأمن كما حدث الأسبوع الماضي تبين أن صياغة مشروع القرار الذي أقره مجلس الأمن كانت قاصرة قانونياً لأنها لم تذكر اسم الدولة التي اتخذت قرار الاعتراف أو اسم رئيسها لأن من شأن ذلك فيما لو تم ذكر اسم الولايات المتحدة، منع الولايات المتحدة من المشاركة في التصويت لأنها في موقع الخصم ولا يجوز لها أن تستخدم «الفيتو» بل الامتناع عن التصويت فقط، وبالتالي كان من الممكن أن يتم تمرير القرار كما حدث في سنة 1980.
لكن يبدو أن هناك من ارتأى عربياً ودولياً أن الغموض أفضل،على أمل أن يتم تعديل الموقف الأمريكي لاحقا بشأن القدس الشرقية، وهو أمر مشكوك فيه حيث تلقف «الاسرائيليون» القرار الأمريكي بسرعة وأعدوا خططاً استيطانية ضخمة وأطلقوا أيديهم في المسجد الأقصى وافتتحوا كنيسا تحته ورصدوا أكثر من 70 مليون دولار للحفريات تحت المسجد بحجة البحث عن آثار يهودية، ما يعني أن الحفريات ستأخذ طابعاً موسعاً ما يهدد بانهيار المسجد.
الخيارات الفلسطينية تجاه هذه التطورات تبدو دبلوماسية فقط لأن الوضعين العربي والإسلامي غير مؤهلين لخوض معركة الدفاع عن القدس عمليا، فقد خاض الشعب الفلسطيني سلطة وفصائل انتفاضة الاقصى سنة 2000 بعد اقتحام شارون المسجد الأقصى، وظل يكابد وحيداً حتى اغتيل ابو عمار. منظمة التحرير لجأت حالياً إلى الأمم المتحدة للتأكيد على حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وحصلت عليه وتستعد للتقدم بطلب لنيل الاعتراف الكامل بدولة فلسطين من الجمعية العامة وطلبت مناقشة وضع القدس، لكن التجاذبات في العالمين العربي والاسلامي تمنع أكثر من ذلك، فتركيا أرادت بلورة معسكر مواز متخذة من القدس غطاء له، ومحور الاعتدال العربي أصيب بطعنة غدر أمريكية من القرار ومحور ايران اكتفى بالكلام فقط. أما قادة الاحتلال فهم يعربدون ويؤكدون أنهم سيمزقون الشعب الفلسطيني إربا ويلقونه شرقي نهر الاردن. فيما التزمت حركة حماس في غزة بالتهدئة ولاحقت من يطلق الصواريخ.
هناك من يعول على تدخل دولي لايجاد صيغة جديدة للتعاطي مع القضية الفلسطينية بعقد مؤتمر دولي برعاية أوروبية- روسية – صينية -أممية، لكن الوضع لن ينتج الكثير لأن واشنطن انضمت إلى المعسكر «الإسرائيلي» مع دول صغيرة عائمة على سطح المحيطات مثل ميكرونيزيا. فمن سيجبر واشنطن على الامتثال للقانون الدولي خاصة وأن الحلقة المهيمنة في البيت الأبيض باتت صهيونية استيطانية بالكامل، وتم إخراج دينا باول ليس لأسباب تتعلق بموقفها من قرار ترامب لأن عقد عملها انتهى، وستبقى ضمن دائرة البيت الأبيض من بعيد فالحلقة المغلقة لا تريد متطفلين من غير اليهود وهي حلقة كوشنير – غرينبلات والسفير الأمريكي لدى «تل ابيب» ديفيد فريدمان وهم من غلاة المستوطنين، فقد تخلص هؤلاء من المستشار بانون الإنجيلي العنصري المتعصب لأنه غير متصهين رغم جهوده في إنجاح ترامب، وهو من وضع نيكي هايلي كمتعصبة سيخية هندية في الأمم المتحدة وقد ترعرعت مهنيا في كنف أحد أثرياء اليهود في أمريكا وباتت صهيونية أكثر من نتنياهو، وقد تنقل لاحقا إلى مجلس الأمن القومي بدلا من باول او للخارجية. فالحقبة الترامبية الأمريكية باتت رهينة اللوبي الصهيوني،أما مجلس الأمن القومي الامريكي فبات مجلساً لا صلاحيات له .

hafezbargo@hotmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى