الدم المسال في عدن

صادق ناشر
بعد عامين وأكثر على تحرير مدينة عدن من براثن التمرد، تبدو المدينة وكأنها تدفع ضريبة الخلافات بين أطرافها ومكوناتها السياسية، التي أسهمت في تخليص الناس من معاناة استمرت لأشهر، على إثر دخول جماعة الحوثي العاصمة صنعاء والسيطرة عليها بشكل كامل، ومن ثم التمدد إلى بقية مناطق البلاد وصولاً إلى عدن.
لم تكن عدن في أي حال من الأحوال خالية من الأزمات، بل اليمن كله، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه، لكن عدن كانت تشكل نموذجاً للمدنية والسلمية، وكانت مقاومتها للنظام القائم قبل وبعد الاحتجاجات التي شهدتها البلاد عام 2011، دليلاً على أن المدنية في صلب هويتها، إلا أن هذه المدنية بدأت تتوارى في الفترة الأخيرة، خلف الدعوات إلى العنف، خاصة بعد أن تم تحريرها من قبل قوات التحالف العربي.
أظهرت المواجهات التي شهدتها عدن خلال اليومين الماضيين بين القوات الحكومية، وأخرى موالية للمجلس الانتقالي، حجم الاحتقان السياسي في بلد تتصارع فيه الهويات والمشاريع، وهو أمر مشروع، لكن لم يكن من المفروض أن يخرج هذا الصراع إلى الشارع، وأن يتمدد ليصل إلى الاستيلاء على مؤسسات الدولة، أياً كانت درجة الاختلاف معها، لأن ذلك يزيد من الاحتقان السياسي والمجتمعي ويدفع الأطراف كلها إلى اتباع طرق تؤدي إلى مزيد من العنف.
صحيح أن المجلس الانتقالي واضح في دعواته إلى ما يعرف ب«استعادة الدولة الجنوبية»، لكن حتى هذا المطلب كان يجب ألا يتجاوز سلميته، إلى ما هو أخطر، ونعني المواجهة المسلحة مع الحكومة التي تمثل الشرعية، أياً كانت إخفاقاتها، فإسقاط الحكومة ومؤسساتها ليس في صالح أحد، لأنه يضع المجلس الانتقالي في مواجهة مع الناس، إذ سيتطلب منه توفير ما تطالب به الشرعية اليوم، وهذا أمر غير ممكن، لأنه لا يحظى باعتراف المجتمع الدولي، فضلاً عن أن التحالف العربي لا يرغب في خلق أزمة من هذا النوع، من شأنها أن تعرقل الجهود الحالية لإعادة استقرار البلد عبر استعادة شرعيتها.
من الواضح أن خطابي الشرعية والمجلس الانتقالي مختلفان فيما يخص معالجة الأوضاع في المناطق المحررة، لكن محاولة إسقاط الحكومة، حتى وإن كانت هناك أسباب وجيهة لنقدها، لعدم كفاءتها أو عدم قدرتها على توفير الخدمات التي يعاني منها الناس منذ أكثر من عامين، من شأنها أن تعرقل أي جهود ستبذل لتطبيع الحياة في المدينة وغيرها من المناطق الجنوبية.
الدم الذي سال في مواجهات الأحد، ستكون كلفته غالية، إذا لم يتم احتواء تداعياته، لأن الدم نزف بين الجنوبيين أنفسهم، وليس في معركة ضد الانقلاب، وهذا أمر ستترتب عليه تداعيات خطيرة على وحدة الجنوب نفسه، التي يحتاج إليها الجنوبيون في الوقت الحاضر لبناء موقف موحد من مرحلة ما بعد التخلص من الانقلاب ومفاعيله. فالحل لمعالجة الأزمات السياسية سيأتي فقط في حال اتفق الجنوبيون على رؤية موحدة للمستقبل، أما الصراع اليوم فهو يخدم أعداء الجنوب واليمن ككل.
sadeqnasher8@gmail.com