قضايا ودراسات

الرئاسة الثانية لترامب

عاصم عبد الخالق

للسياسة الخارجية على جدول أعمال الرؤساء الأمريكيين، مواسم معلومة تفرض نفسها خلالها على أجندتهم، وتستقطب القدر الأكبر من وقتهم وجهدهم، وتجبرهم على منحها الاهتمام الأوفر على حساب السياسة الداخلية. يحدث هذا في حالات كثيرة منها تفجر أزمة خارجية عاصفة تفرض نفسها على واشنطن. أو في أثناء العام الأخير للولاية الثانية للرئيس عندما ينشغل عنه الجميع بمتابعة المعركة الانتخابية حول من يخلفه. يصبح الرئيس حينئذ بطة عرجاء، كما يسميه الإعلام، فلا أحد يريد إهدار طاقته مع رئيس بدأ حزم حقائبه لمغادرة البيت الأبيض.
ثمة مناسبة أخرى تهيمن فيها السياسة الخارجية على جدول أعمال الرئيس، وهي عندما يفقد حزبه الأغلبية في الكونجرس ويصبح بلا غطاء سياسي، أو مظلة حماية حزبية تكفل له تنفيذ برامجه ومشروعاته الداخلية. وفي المقابل يصبح للحزب المعارض الكلمة العليا في تحديد مصير كل سياسات الرئيس، وعرقلة ما يشاء منها.
يعيش الرئيس دونالد ترامب، هذا الكابوس حالياً بعد أن سيطر الديمقراطيون على أغلبية مقاعد مجلس النواب، وبالتالي بات بمقدورهم تجميد كل مشاريعه السياسية خلال العامين المتبقيين له قبل الانتخابات. ومن الطبيعي أن تكون القضايا الداخلية التي تصدرت جدول أعمال وبرنامج ترامب، هي الضحية الأولى لهزيمة الجمهوريين، وفي مقدمتها مشروعه لإصلاح نظام الهجرة، وإجراءات الأمن على الحدود، وتغيير قوانين الرعاية الصحية، والتخفيضات الضريبة المقترحة.
كل هذه السياسات اعتبرها ترامب، المهمة الأولى له كرئيس. وحولها دارت معظم إن لم تكن كل معاركه الداخلية. واعتباراً من يناير المقبل عندما ينعقد مجلس النواب بأغلبيته الديمقراطية، سيفقد ترامب، الحرية التي تمتع بها خلال العامين الأولين من رئاسته في ظل السيطرة الجمهورية.
بهذا المعنى يكون ترامب، على أعتاب «الرئاسة الثانية» له، وهو تعبير صكه قبل خمسين عاماً العالم السياسي الأمريكي الراحل ارون ويلدافسكي. ولا يقصد بهذا المصطلح الولاية الثانية للرئيس، بل يتحدث عما أشرنا إليه قبل قليل من تحول تركيز الرئيس، مجبراً من البرامج والسياسات الداخلية إلى القضايا الخارجية في النصف الثاني من ولايته، بحكم وجود أغلبية مناوئه له في الكونجرس. ينطبق هذا على وضع ترامب حتى مع احتفاظ الجمهوريين بأغلبية بسيطة في مجلس الشيوخ.
وبالنظر إلى الصلاحيات الواسعة التي يمنحها الدستور الأمريكي للرئيس في مجال الأمن والسياسة الخارجية، سيجد ترامب نفسه مدفوعاً للسير في الطريق الذي سلكه كل من سبقوه ومروا بظروف مشابهة. ستكون رئاسته الثانية كما وصفها بيتر هاريس أستاذ العلوم السياسية في جامعة كلورادو مزدوجة: مقيدة، دفاعية، بلا فاعلية في الداخل. قوية، بل شرسة أحياناً، وفاعلة، وهجومية في الخارج. تطبيقاً على الواقع يمكن بسهولة استنتاج طبيعة السياسة التي سينتهجها ترامب، تجاه الملفات التي استحوذت على اهتمامه أكثر من غيرها في الرئاسة الأولى وفي مقدمتها الحرب التجارية مع الصين، والمواجهة مع روسيا وإيران وكوريا الشمالية. ومن غير المستبعد أن يلغي معاهدات أو اتفاقيات دولية أخرى على نحو ما فعل في الرئاسة الأولى. وقد يجد ترامب، الوقت ملائماً لإعطاء دفعة لخطته الغامضة المعروفة بصفقة القرن لتسوية القضية الفلسطينية.
ووفقاً لما أوضحه ويلدافسكي، في نظرية الرئاستين، فإن الرؤساء يسعون عادة في هذه الظروف إلى تحقيق مجد شخصي وحزبي على الجبهة الخارجية، وبما يدعم فرصهم داخلياً إما لإعادة الانتخاب مرة أخرى إذا كانوا في الولاية الأولى، أو دعم فرص المرشح المنتمي لنفس الحزب إذا كان الرئيس في ولايته الثانية.
ومع الأخذ في الاعتبار جملة العوامل السابقة، فإنه من المرجح أن تكون سياسة ترامب الخارجية أكثر تشدداً، ولن يقاوم إغراء الاندفاع في مواجهات وحتى مغامرات خارجية لتسويق نفسه داخلياً كمدافع صلب عن الأمن القومي الأمريكي. وقد يكون الأمر جيداً بالنسبة له ولحزبه. ولكن دروس التاريخ تقول إن العواقب في مثل هذه الحالات لا تكون في صالح العرب.

assemka15@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى