السودان موطن الشعراء
محمد عبدالله البريكي
ليس غريباً على بيت الشعر في الخرطوم أن تجد فيه الشعر هو الغذاء اليومي للناس، وأن يتعامل مع المهرجانات الشعرية بتنظيم مبدع يليق بالشعر، خصوصاً أنه وهو يكمل عامه الأول، ضمن مبادرة بيوت الشعر التي يحتضنها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، فمنذ أن احتضنت جامعة الخرطوم هذه المبادرة، وأسكنت الشعر في معهد البروفيسور عبدالله الطيب، والشعر يحظى باهتمام رسمي وشعبي فتح له آفاقاً رحبة مكنته من تقديم فعاليات مستمرة ومتنوعة تمخض عنها هذا المهرجان، الذي تميز بالتنوع في الوجوه والاكتشاف المبهر للطاقات، ولم يعمل على تكريس الأسماء، فالسودان زاخر بالعلم والشعر متدفق بالقصيدة متناغم مع نيلها الذي لا يكل ولا يمل من تقديم الخير.
من يتتبع مسيرة بيت الشعر في الخرطوم وأنشطته التي قدمها خلال عام يجد الثراء والمتعة التي لا تنقطع، ما أعطاه انفتاحه على المؤسسات الرسمية والأهلية ميزة، ومنحه حضوراً وقبولاً، فالتكامل الثقافي الذي سعت إليه الشارقة جسدته إدارة البيت بفعاليات متصلة وتعاونات كثيرة، أسهمت في خلق حراك شعري وثقافي ثري، واللافت هو تعاون الشعراء الشباب خصوصاً مع إدارة البيت، حيث أصبح البيت ملتجأ لهم يبثون فيه وجدهم، ويمنحونه حبهم ويسهمون في كل فعل من شأنه نجاح مبادرة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، ونتج عنه إصدار نشرة الوجود المغاير التي وثقت فعاليات البيت، وأضاف موقع البيت على الشبكة العنكبوتية بعداً آخر، وهذا ما لاحظته منذ افتتاح البيت، فقد شكل الجميع خلية عمل، وأصبح التوافد على البيت مستمراً، وتكاد تشعر بأن أبواب البيت مفتوحة باستمرار وصار للشعر مريدون يتلقفون الكلمة بكل ترحاب، ويعيشون تفاصيل القصيدة بأجوائها الدافئة.
لقد عشنا تجربة غنية بالشعر في الخرطوم، والتحمنا بالكلمة مع الكثير من الشباب المثقف الموهوب، الذي يدرك قيمة الشعر ويجوب بالكلمة الآفاق، وبالفعل كان المشهد إبداعياً يستحق التأمل والوقوف عند ملامح هذه التجارب الواعدة، ما يدل على أن الشعب السوداني لديه مخزون ثقافي هائل، فالشاعر هناك ممتلئ بالشعر، والمتلقي حالة خاصة في التعامل مع الكلمة، اللافت أن الشعراء حين كانوا يصعدون منبر الشعر كانوا يقرؤون القصائد بروح شعرية خالصة، فتنتقل القصيدة إلى المتلقي بسهولة ويسر، كما أن جميع الذين مثلوا الشعر في مهرجان الشعر العربي كانت لديهم مفاجآت قدموها للجمهور، من خلال الإلقاء المميز ومضامين القصائد والأبيات التي تكتسي بالحكمة، وتتشبع بالثقافة، وتبرهن على أن هؤلاء الشباب استوعبوا لغة العصر وتوغلوا في التراث، ما جعل إدارة المهرجان تؤكد أنه في العام المقبل سوف تقدم أسماء جديدة ووجوهاً مغمورة، وهذا دليل على أن السودان لديه طاقات إبداعية شعرية كبيرة تحتاج إلى من يلقي الضوء عليها، حتى تأخذ حقها في الذيوع والانتشار، غير أن مبادرة الشارقة الإبداعية غمرت النهر العربي الدافق بمياه جديدة، وحفزت الشعراء على الإبداع، وكذلك منظمي المهرجانات على تقديم الشعراء الجدد وهذا هو الهدف الأسمى، والذي يتمثل في التنقيب عن الشعراء كما يتم التنقيب عن الذهب، حيث إن الشعر العربي لن يتطور إلا من خلال البحث عن المواهب الحقيقية، والسودان حقق المعادلة وبين الرؤية، خصوصاً أن مشروع الشارقة في تجديد دماء الشعر والحفاظ على الهوية الشعرية العربية الأصيلة من الضياع والتآكل، يستحق كل احترام على جميع المستويات لأن النتائج باهرة.
hala_2223@hotmail.com