غير مصنفة

السيناريوهات المحتملة للأزمة اللبنانية

د. محمد السعيد إدريس

لحسن الحظ نجحت عودة سعد الحريري رئيس الحكومة اللبنانية المستقيل إلى لبنان، ثم تريثه في تقديم استقالته للرئيس اللبناني، في نزع فتيل تفجّر أزمة سياسية لبنانية لا تحمد عقباها، في وقت لم يعد لبنان مستعداً أو قادراً على تحمّل تبعات تفجير مثل هذا النوع من الأزمات. لكن يبدو أن نزع فتيل الأزمة يُعدّ إجراء مؤقتاً في ظل تنازع مسارين للأزمة؛ مسار التصعيد ومسار الاحتواء.
أنصار مسار التصعيد، يرون أن الأزمة التي ظهرت أولى معالمها باستقالة سعد الحريري أثناء وجوده في الرياض هي في الأصل «أزمة إقليمية» ممتدة في صميم التطورات البائسة لجهود تسوية الأزمة السورية التي يجري إعدادها بين: سوتشي (روسيا) وجنيف والرياض دون إغفال تداخلات كل من واشنطن وتل أبيب، ناهيك عن ارتباطها بالأزمة اليمنية.
بهذا المعنى يرى أصحاب هذه الرؤية أن الأزمة اللبنانية ما زالت في بدايتها، أو بالأحرى، ما زالت في طورها الأول لأنها، كما يصوّرونها: «أزمة تنازع النفوذ والأدوار المنطقة، وأن هذه الأزمة امتداد لاختلال توازن القوى الإقليمي الذي فرض نفسه أولاً في لبنان لصالح نفوذ «إيران – حزب الله»، ثم في سوريا لصالح تحالف: «روسيا – إيران – بشار الأسد – حزب الله»، وأن لا حل للأزمة اللبنانية إلا بفرض توازن قوى بديل يعمل لغير صالح تلك الأطراف، أو على الأقل تحقيق «تكافؤ قوة» بين كل الأطراف، وبالتحديد في سوريا ولبنان واليمن.
يؤكد هذا المسار أو يرجحه ما ورد على لسان بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة «الإسرائيلية» من توجّه لخيار التصعيد ضد «حزب الله» وضد إيران.
فقد حرص بنيامين نتنياهو أن ينقل فحوى مضمون حديثه الهاتفي مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول الأزمة اللبنانية، وفي هذا التوضيح كشف نتنياهو عن رفضه لموقف الرئيس الفرنسي من تطورات الأزمة اللبنانية. ففي الوقت الذي كان فيه الرئيس الفرنسي حريصاً على تأكيد دعمه ل «استقرار الوضع في لبنان»، كان نتنياهو حريصاً على أن يرفض هذا الموقف، ويكشف أ ن مفهوم الرئيس الفرنسي للاستقرار في لبنان «ليس هو الاستقرار الذي ترضى عنه «تل أبيب»، ما لم يؤخذ في الاعتبار مصالح («إسرائيل») وتحديداً ما يتعلّق بسلاح حزب الله». أكد نتنياهو أمام قادة الليكود تفاصيل خلافه حول الاستقرار في لبنان مع الرئيس الفرنسي، ورفض استقرار لبناني قائم على أساس تفوّق «حزب الله» وامتلاكه أداة ردع تهدد أمن «إسرائيل». هذا معناه أن «إسرائيل» ستمنع أي حل للأزمة اللبنانية دون نزع سلاح حزب الله.
هذا معناه أن الأزمة فعلاً ما زالت في بدايتها، خصوصاً إذا ربطت الأطراف المعنية بين حلّها، وبين فرص حل الأزمة في اليمن، واحتمالات ومشاهد حل الأزمة السورية وفقاً لما سوف يحدث في جنيف ومن بعده في سوتشي، وإذا ما تم الدفع بشرط نزع سلاح «حزب الله» كأساس لحل الأزمة في لبنان.
أما أنصار مسار التهدئة، فهم مع عزل الأزمة اللبنانية عن أي أزمة أخرى، ومع النأي بلبنان عن الأزمات والصراعات الإقليمية، ولكن أيضاً مع «نأي الآخرين عن التدخل في شؤون لبنان»، على نحو ما يطالب الرئيس اللبناني ميشال عون، كما أنهم يدعمون «خيار التهدئة»، وحصر شروط الحل في مطلب «النأي بالنفس» ووضع قواعد ملزمة لكل الأطراف بهذا الخصوص، دون أي انسياق في دعوة «نزع سلاح حزب الله»، لأن ذلك معناه الدخول بالأزمة اللبنانية في طريق مسدود. ويراهنون في نفس الوقت على تنازلات ممكنة، وليست محتملة «من جانب حزب الله تتعلّق بمطلب النأي بالنفس اعتماداً على ما ورد في الخطاب الذي ألقاه نصر الله (20/‏11/‏2017) وألمح فيه أن «حزب الله» أنجز مهام القتال ضد إرهاب «داعش» في العراق، وأنه لم ولن يمد أي طرف بالسلاح باستثناء فلسطين المحتلة. ما يعني أن الحزب أضحى مؤهلاً للالتزام بدعوة «النأي بالنفس».
رهان في حاجة إلى ما يؤكده، لكن نجاح هذا المسار في حاجة إلى جهود خارجية داعمة لضبط مواقف الأطراف اللبنانية، والحيلولة دون الربط بين الأزمة اللبنانية والأزمات الأخرى ومنع أي محاولة ل «تدويل أزمة لبنان»، لأن ذلك معناه فرض خيار التصعيد الذي يصعب تحديده عند أي سقف يمكن أن يتوقف، طالما أن خيار الحرب «الإسرائيلية» ما زال ممكناً، وطالما أن هناك من يريدون أن تكون أزمة لبنان مدخلاً لمزيد من تعقيد الصراعات على الأرض العربية كبديل لانحسار دور «داعش» الإرهابي في العراق وسوريا.

msiidries@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى