الشهيد عبد الله إبراهيم كاسين
عبدالله محمد السبب
البيت كائن من حجر وطين، وفي ذلك البيت الكائن في «الفريج الشرجي» من منطقة «الرمس» الراسية في ذاكرة التاريخ منذ مئات السنين، وفيما الزمان زميل المكان، أخذ «إبراهيم علي كاسين الطنيجي» وشريكة مشواره في الحياة الدنيا «عايشة علي لحسيني»، وفي معيتهما زهرتهما «مريم» وشبلهما «علي»، ينتظرون كائناً بشرياً جديداً، لا تُعرف هُوِيَّتَهُ ولا يُسْتَدَلُّ على ملامحه إلا إذا أقبل بما حباه الله من مَلَكاتٍ..
وما زال الانتظار مستمراً لكائن بشري يملأ دنياهم فرحاً ومواصلاً معهم مسيرتهم القادمة في رحاب الحياة بحلوها ومرها، بيسرها وعسرها، بسرورها وعبوسها، لتشرق شمس أحد أيام العام 1947م مبشرة بقدوم «عبدالله»..
إذن، ها هو «عبدالله» يكبر، ويُكَبِّرُ الله في رحاب دروس يتلقاها على يد مطوع متطوع في خدمة كتاب الله وسنة نبيه محمد «صلى الله عليه وسلم».. ويكبر «عبدالله»، وتكبر معه عائلة أبيه «إبراهيم علي كاسين»، بمجيء «أحمد، خديجة، راشد، محمد، حسن».. ويكبر «عبدالله»، وتكبر معه أحلام ما جادت به بيئة ذلك الزمان.. فيصاحب البحر، مصطحباً معه حرصه على إرث آبائه وأجداده، فيصبح ويمسي على «صيد السمك»، ويستمر في تلك الصحبة الطيبة، إلى أن جاءت اللحظة الكامنة في أواخر ستينات القرن العشرين، ليعزز تلك الصحبة، بإعلانه رغبة المثول على ظهر سفينة تقله وأقرانه شباب «الرمس» إلى «الكويت العطاء»، ملتحقاً هنالك في إحدى شركات بيع المواد الغذائية، لتستمر رحلة الكفاح إلى أن جاءت بشارة انضواء إمارة رأس الخيمة التي يقودها الشيخ صقر بن محمد القاسمي ،طيب الله ثراه، بتاريخ 10 فبراير 1972م تحت لواء دولة الإمارات العربية المتحدة بقيادة رئيسها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ،طيب الله ثراه،، ليعود «عبدالله» مع من عاد من مواطني الدولة إلى أرض الوطن الفرح بأبنائه من كل أرجاء المعمورة..
وتستمر رحلة «عبدالله»، وتستمر صحبته للبحر، تأكيداً وتوثيقاً، بالتحاقه في العام 1979م بقيادة حرس السواحل التابعة لوزارة الداخلية، ليكون بذلك «الشرطي سائق لنش عبدالله إبراهيم علي كاسين»، ماخراً عُباب البحر جيئة وذهاباً.. حماية لمياهه، ودفاعاً عن ممتلكات الوطن.. ليظل هكذا في مسيرته الشُرَطِيَّة وفي سيرته البحرية، كأحد أحفاد أسد البحار «شهاب الدين أحمد بن ماجد»، إلى أن جاءت لحظة من لحظات الحسم البحري: (إنه فجر يوم الإثنين 19 يناير 1981م، وإنها إحدى دوريات قيادة حرس السواحل في المياه الإقليمية للدولة، تُحبط محاولة تهريب أسلحة، وتُلقي القبض على المهربين، وتتحفظ على اللنش والأسلحة، وأثناء تلك العملية البحرية، تم تبادل إطلاق النار بين الدورية الإماراتية والمهربين الإيرانيين، لتسفر عن إصابة الشرطي سائق لنش عبدالله إبراهيم علي كاسين، لاقياً حتفه شهيداً في سبيل الله والوطن والواجب).. تاركاً وراءه أرملة صابرة محتسبة فقيدها حياً يُرزق في جنة الله، وراعية لأربعة أبناء «عدنان، علي، عمر، جمال».. وفيما يلحق «علي» بأبيه بعد خمسة أشهر من الرحيل، يلتحق الثلاثة بركب أبيهم في السلك العسكري لوزارة الداخلية.. مُكملين مسيرته، ومؤدين رسالته.
a_assabab@hotmail.com