الصراع على الطاقة
محمد نورالدين
يطرح الكثيرون سؤالاً جوهرياً، هو كيف يمكن للولايات المتحدة أن تنحاز إلى جانب الأكراد السوريين، مجازفة بضرب علاقاتها التاريخية والاستراتيجية مع تركيا؟.
ربما تكمن الإجابة في أن الولايات المتحدة تجد في الحرب السورية فرصة للدخول إلى ساحة لم يكن لها فيها أي حضور أو نفوذ تاريخي من قبل. وتريد أن يكون لها موطئ قدم على الأرض السورية، تكون ورقة بيدها على طاولة مفاوضات الحل النهائي للأزمة السورية.
وربما أيضاً أن من أهداف الولايات المتحدة، تقسيم منطقة الشرق الأوسط، انطلاقاً من نوافذ عرقية يوفر الوجود الكردي في شمال سوريا وشمال العراق رافعة لها. وهنا غضب تركيا وخوفها من أن يكون هدف تقسيم سوريا ومنح الأكراد في شمالها حكماً ذاتياً أو ربما أكثر من ذلك، محطة أولى لتقسيم تركيا في مرحلة ثانية.
كذلك فإن الدخول الروسي القوي إلى سوريا في نهاية 2015 عزز كثيراً الوجود التاريخي لروسيا في سوريا. وهذا شكل تحدياً للولايات المتحدة، التي لا تريد جعل الوجود الروسي مرتاحاً ومستقراً.
وهذه الأهداف لا يساعد على تحقيقها انحياز الولايات المتحدة إلى جانب تركيا؛ بل اعتماد «قوات الحماية الكردية» و«قوات سوريا الديموقراطية» أداة لتحقيق هذا المشروع.
إلا أن هدفاً آخر يجعل الولايات المتحدة تحاول اقتطاع قسم من الأراضي السورية ووضعها تحت نفوذها المباشر وغير المباشر؛ وهو العامل النفطي.
لا يخطئ المسؤولون الروس، عندما يقولون إن الولايات المتحدة تسعى لوضع يدها على ثروات نفطية شمال شرقي سوريا. وهذا ما جعل واشنطن تندفع لتحرير الرقة عبر «قوات سوريا الديموقراطية»؛ لتكون محطة على طريق السيطرة على مناطق شمال شرقي الفرات ومنع القوات السورية وحلفائها من عبور النهر إلى شمالي دير الزور. أكثر من ذلك لا تزال الولايات المتحدة تمتنع عن التقدم لتحرير جيوب شرقي سوريا على الحدود العراقية تتنشر فيها عناصر «داعش»؛ بل إن الآلاف من مسلحي «داعش»، الذين كانوا في الرقة تم تهريبهم إلى مناطق آمنة. ولم يتردد الأمريكيون في أن يكشفوا أن الجيش الذي أعلنوا عن تأسيسه من ثلاثين ألف مقاتل شمالي سوريا يتألف من أكراد وعرب وتركمان و«المقاتلين الجيدين» أي «غير الأشرار» من عناصر «داعش»!. وكل ذلك بهدف إبقاء مناطق شمال شرقي سوريا الغنية بالنفط والغاز تحت تصرف الولايات المتحدة الأمريكية.
الصراع على الطاقة هو في قلب النزاعات والحروب المتنقلة في أكثر من منطقة في العالم.
بالأمس خرجت تحذيرات من تركيا لكل شركات استخراج النفط العاملة في المنطقة الاقتصادية القبرصية من اقتراب سفنها من المنطقة الاقتصادية لقبرص الشمالية التركية.
كذلك كان اعتراض تركي على ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية بين مصر وقبرص. وسبب الاعتراض أن تركيا ترى في المنطقة الاقتصادية البحرية لقبرص وحدة متكاملة حتى لو كانت الجزيرة مقسمة. وملكية الثروات في المياه القبرصية هي لكل الشعب القبرصي بطائفتيه اليونانية والتركية.ولا يجب أن نغيّب أيضاً أن هناك أهدافاً سياسية من وراء الاعتراض وهو المشاغبة على مصر، وإقلاق راحتها؛ بسبب الخلافات المستعصية بين مصر وتركيا منذ إطاحة حكم جماعة «الإخوان» في مصر.
وآخر هذه الأمثلة هو تحذير وزير الحرب «الإسرائيلي» أفيغدور ليبرمان، لبنان من استخراج النفط والغاز من البلوك رقم تسعة الموجودة على الحدود المائية بين لبنان وفلسطين المحتلة؛ لأن لـ «إسرائيل» حصة فيه.
ومع أنه كان للبنان الرسمي والشعبي موقفه الموحد والصارم في رفض هذه الادعاء «الإسرائيلي» وصولاً إلى التهديد بالمعاملة بالمثل، فإن الولايات المتحدة سارعت إلى التوسط بين لبنان و«إسرائيل»، مقترحة عبر مساعد وزير خارجيتها السفير دافيد ساترفيلد تقاسم البلوك بنسب متفاوتة بين البلدين.
رفض لبنان القاطع حتى للتقاسم يضع هذه القضية أمام ما الذي ستفعله «إسرائيل» في حال بدأ لبنان استخراج النفط في كامل البلوك رقم تسعة؟، وما إذا كان ذلك سيشعل فتيل حرب تحرق كامل شرق المتوسط؟.
الطاقة عصب الحياة الاقتصادية والنمو للدول، وأهميتها لا تقتصر على السيطرة على مكامن وجود النفط والغاز برّاً وبحراً؛ بل تشمل السيطرة والتحكم بممرات مرور البواخر، التي تنقل النفط وبالأراضي التي تمر فيها خطوط النقل البرية؛ لذلك ما أكثر المخاطر التي تنشأ من جراء السعي للهيمنة على الثروات واستغلالها. والمنطقة العربية في الشرق الأوسط وشرق المتوسط في قلب هذه الصراعات.