«الصورة» تفضح جرائم «إسرائيل»
تأليف وتحرير: فيرد ميمون وشيراز غرينباوم
عرض وترجمة: نضال إبراهيم
أمام آلة الاحتلال «الإسرائيلي» المدمّرة، ظهر الكثير من أساليب الاحتجاج ضد ممارساته، وكان للعدسة الصحفية نصيبها الكبير وأسلوبها الخاص في توثيق انتهاكات كبيرة ضد الشعب الفلسطيني. هذه العدسات لمصورين أحرار من جنسيات متعددة أسسوا مجموعة «آكتيفستيلز» منذ 2005 لتغطية الأحداث البارزة في فلسطين / «إسرائيل»، فكان عملهم احتجاجياً بطريقة خلاقة.
يعاين هذا الكتاب أرشيف المجموعة ونشاطها من وجهة نظر تاريخية، ونظرية ونقدية، وشخصية. وهو نتيجة حوار معمق بين أعضاء المجموعة والناشطين والصحفيين والمثقفين والأكاديميين، ويعتبر كدراسة تعريفية ونهائية لعملهم.
تجمع المحررتان بين الصور بالألوان الكاملة مع المقالات والتعليق، وهو يعد على حد سواء مساهمة كبيرة في تغطية الأحداث البارزة في فلسطين / «إسرائيل»، بالإضافة إلى ذلك تشكل هذه الصور مجموعة فريدة من الفن البصري. والعنوان الأصلي للكتاب هو «نشيطون لا نزال: التصوير كاحتجاج في فلسطين / «إسرائيل»» صادر حديثاً عن دار «بلوتوبرس» البريطانية في 319 صفحة من القطع الكبير.
بدايات
يعود تاريخ هذه المجموعة التصويرية الاحتجاجية إلى عام 2005، إذ كان لديهم اقتناع راسخ بأن التصوير وسيلة وأداة من أجل التغيير السياسي والاجتماعي، ولذلك قاموا بالوقوف إلى جانب أهالي بلدة صغيرة تدعى بلعين، تقع على بعد 12 كم غرب مدينة رام الله في وسط الضفة الغربية، ووثقوا معركتهم لمنع الحكومة «الإسرائيلية» من بناء جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية. ودفعتهم مشاهداتهم في بلعين إلى تشكيل مجموعة « Activestills»، التي أصبح عملها حيوياً في توثيق النضال ضد الاحتلال «الإسرائيلي» والحياة اليومية في حالات استثنائية.
وتقول المجموعة عن نفسها: «نؤمن بقوة الصور لتشكيل المواقف العامة وزيادة الوعي بشأن قضايا غائبة بشكل عام من سياق الحديث العام. ننظر إلى أنفسنا كجزء من النضال ضد كافة أشكال الاضطهاد والعنصرية، وانتهاكات أبسط أشكال الحرية».
تتألف المجموعة من أعضاء هم مصورون «إسرائيليون» وفلسطينيون ومن دول عديدة، يعملون في فلسطين/«إسرائيل»، ويركزون على المعارض والمنشورات والتوثيق السياسي والاجتماعي، ويعملون على العديد من المواضيع المتنوعة من بينها الكفاح الشعبي الفلسطيني ضد الاحتلال «الإسرائيلي»، حقوق المرأة، المهاجرون، والساعون إلى اللجوء السياسي، وحقوق الإسكان العام، والكفاح ضد الاضطهاد الاقتصادي.
إعلام متحيّز
تشير المحررتان إلى أن الرأي العام «الإسرائيلي» يتشكل بالإعلام العام الذي يصبح يوماً بعد الآخر أكثر عنصرية وتحريضاً ضد الفلسطينيين. ويتضح تأثير هذه اللعبة الإعلامية الخطيرة في الدعم الشعبي العام المتزايد بين «الإسرائيليين» للعمليات العسكرية العنيفة، والأنظمة العنصرية، والسياسات التمييزية. وتعلقان: «نأمل أن نتحدى هذه الحالة من خلال إنتاج عمل من شأنه أن يكشف اللامساواة الموجودة، وينقل الرسائل التي تكافح في وجه القمع، وتستحضر صور وأصوات هؤلاء الذين لا يمكن رؤيتهم أو سماع أصواتهم في الأوساط العامة».
وتضيفان: «مجموعتنا مبنية على اعتقاد أن العمل الثنائي يخدم المعرض الشخصي لكل مصور، وأن المشاريع المشتركة تخلق تصريحات مشتركة قوية. نؤمن أن الصور التي نلتقطها تعود إلى أولئك الذين تكون صراعاتهم موثقة، ولذلك نتقاسم أرشيفنا مع مختلف مجموعات النشطاء. وصورنا غالباً ما تكون معروضة من قبل المجتمعات المحلية في الأحداث والفعاليات والمؤتمرات، والمظاهرات، وجلسات المحاكم. وتنشر صورنا بشكل متكرر في وسائل الإعلام البارزة والبديلة، بالإضافة إلى المنظمات الحقوقية ووكالات التنمية وغيرها».
وبالتكاتف مع كفاح الشعب الفلسطيني لنيل حقوقه المشروعة، يطالب نشطاء هذه المجموعة من المصورين بالتالي:
* إنهاء الاحتلال «الإسرائيلي» غير الشرعي المستمر للأراضي الفلسطينية والسورية، وإزالة جدار الفصل العنصري.
* إنهاء التمييز العنصري المتأسس ضد المواطنين من غير اليهود، واحترام الحقوق الإنسانية للجميع، بغض النظر عن العرقية.
* الاعتراف بحقوق اللاجئين الفلسطينيين وتنفيذها وفقاً لقرار الأمم المتحدة رقم 194، من بينها حق العودة.
* الدفع إلى محاكمة المسؤولين عن جرائم الحرب بحق الفلسطينيين.
أصحاب العدسات الحرة
مهد للكتاب الأستاذ الجامعي ميكي كراتسمان الذي يعرف بنفسه وعن المجموعة التي درّسها في الجامعة قائلاً: «عندما بدأت بتعليم التصوير الصحفي في كلية التصوير الجغرافية في «تل أبيب» في 1997، كان حقل الأخبار المحلية يعيش وسط أزمة. كان قد مر على إغلاق «هاداشوت»خمس سنوات، وكانت قد وضعت معياراً جديداً للمهنة، وكانت لاعباً أساسياً في تحديد التصوير الصحفي «الإسرائيلي»»، مشيراً إلى أنها أثرت على الصحافة المحلية، بحيث يكون التصوير الصحفي غير مستقل ومنحازاً في كثير من الأحيان، وهذا ما لم يعجب عدداً من أعضاء المجموعة.
ويذكر أنه كأستاذ لهم أراد أن يساعد طلابه في تحقيق طموحاتهم في نقل الحقيقة عبر الصورة، وانتهاج طريق يكون قائماً على الاستقلالية والنزاهة والالتزام بالمعايير الأخلاقية.
وبعد تأسيس المجموعة ومتابعته لها يقول إن أفراد هذه المجموعة اختاروا طريقاً منفصلاً في العمل، وكانوا يتعاملون مع صحف لا تتلاءم مع الإعلام «الإسرائيلي» العام، ومنظمات غير حكومية، وبعض الأحيان يبيعون صورهم للصحف المحلية إلا أنهم يبقون على مسافة بينهم وبين معاييرهم، ويفضلون أن يبقوا من أصحاب العدسات الحرة.
ويقول في ختام كلامه: «بعد متابعة عمل المجموعة لعقد من الزمن، انضممت لهم في عام 2015. بعد ثلاثة عقود من العمل كمصور صحفي، أصبحت محظوظاً بقدرتي على اختيار مواضيعي الخاصة. فالآن لدي الفرصة لأعمل وأشاهد من الداخل، ولم أشعر طوال سنوات بالقرب ممن صورتهم كما أشعر به الآن». ويضيف: «أفراد المجموعة يبقون على علاقة مستمرة مع المجتمعات الفلسطينية التي يصورونها ويوثقون نضالها. وهذا يخلق نوعاً من الشراكة والحميمية التي تمضي إلى ما وراء التغطية الصحفية. وفي كثير من الأحيان، فإن المصورين ليسوا هم الذين يبدؤون بالتغطية، بل بالأحرى تدعوهم المجتمعات إلى الانضمام لأفعالهم وأحداثهم كمصورين صحفيين».
أرشيف الكفاح
تشير المحررتان إلى أن أرشيف المجموعة الإلكتروني يضم أكثر من 35 ألف صورة من أكثر من 200 موقع في فلسطين/«إسرائيل»، وما يميز أرشيفهم هو انفتاحه على التحديث الدائم وإعادة الكتابة كأرشيف مباشر على الإنترنت. وهي تعمل بالتالي كأرشيف الحاضر، بما يضمه من قوة سياسية وسرعة، حيث تعرض على الفور بطريقة احتجاجية. تجدان أنه يمكن تسميته «أرشيف الكفاح».
ينقسم الكتاب إلى قسمين: يضم الأول منه مقالات تحليل ممارسات المجموعات في التدخل وتجسيد أشكال الكفاح المختلفة بصرياً في فلسطين/«إسرائيل»، ووضعها في سياق عملي ضمن التغيرات والتطورات الأخيرة في إعلام الشرق الأوسط. من بين هذه المقالات، تركز مقالة المصورة أريلا أزولي المرفقة بصور على جدار الفصل العنصري ودور المصورين في تصوير وتوثيق التأثيرات المدمرة والعنيفة له على الفلسطينيين و«الإسرائيليين»، بالإضافة إلى المظاهرات الإبداعية ضده.
كما يستكشف مقال حاجي مطر ممارسة المجموعة، إدراكياً وبصرياً، في ربط أشكال الكفاح السياسية والاجتماعية المختلفة، وأنماط التوزيع الفريدة ضمن الإعلام «الإسرائيلي» البديل. ويعاين مقال رمزي بارود التحولات الأخيرة في الإعلام العربي في ضوء ظهور تقنيات الإعلام الجديد. ويضع عمل المصورين في سياق هذه الظروف المتغيرة ويربطها مع صحافة المواطن المستقلة التي تطورت في السنوات الأخيرة في الشرق الأوسط. في حين يتناول مقال سيمون فولكنر معارض الشارع خلال العقد الأخير، إذ يحلل فيه محتوى المعروض وأشكاله، والاستجابات المتنوعة من قبل المتفرجين.
يتبع هذا القسم محادثات بين أفراد المجموعة والنشطاء الحقوقيين فيما يتعلق بدور التصوير ضمن أشكال الكفاح السياسي المختلفة. ويختتم باستجابات قصيرة للنشطاء المختلفين للصور التي اختاروها من أرشيف المجموعة.
تأثير الصورة
ويضم القسم الثاني من هذا العمل التوثيقي مقالات تنظر في التأثيرات النقدية لعمل هؤلاء المصورين ضمن تاريخ ونظرية التصوير. ويركز مقال الكاتبة والمصورة فيرد ميمون على تداول صور المجموعة ودورها الأدائي في تشريع أشكال القوة السياسية والتضامن ضمن سياق الكفاح الشعبي الفلسطيني في بلعين.
ويعالج مقال مير ويغودير الجانب الانعكاسي لعمل هذه المجموعة، والذي لا يتضمن فقط سجلات المعارض العامة، بل يحتوي على صور لأشكال الكفاح الفعلية. أما المصور شارون سليونسكي فيركز في مقاله على سلسلتين من الصور من قبل أفراد المجموعة: الأولى تجسد الساعين إلى اللجوء في مركز للاحتجاز، والسلسلة الثانية عن الناشطات الحقوقيات المدافعات عن حقوق السود، وكان هذا الجهد في سبيل إظهار حالات الاحتجاز غير القانونية، والإهمال السياسي لهم من خلال إنكار أبسط حقوقهم الإنسانية، وأصبح أيضاً كشكل من العمل يسأل السلطات عن القوانين التمييزية.
ويعاين مقال روثي غينسبيرغ إصرار المجموعة على الحضور المستمر في الاحتجاجات، وتناقش الكاتبة فيها دور مجموعة المصورين المتناقض والذي يبرز أحياناً على أنهم مصورون من جهة ومن جهة أخرى كناشطين. وتختم المحررتان هذا القسم بانعكاسات حول عملهم من قبل أعضاء «آكتيفستيلز».
نبذة عن المحررتين:
* فيرد ميمون أستاذة محاضرة في قسم تاريخ الفن في جامعة «تل أبيب». تكتب للعديد من المجلات المتخصصة مثل مجلة «أكتوبر»، ومجلة أكسفورد للفن، ومجلة «تاريخ التصوير الفوتوغرافي»، و«تاريخ الفن»، و«النص الثالث» وغيرها من الدوريات. صدر لها مؤخراً كتاب بعنوان «صور منفردة، نسخ فاشلة: وليام هنري فوكس تالبوت والصورة الأولى» (مطبعة جامعة مينيسوتا، 2015).
* شيراز غرينباوم عضوة في مجموعة « Activestills» في الأراضي الفلسطينية المحتلة و«إسرائيل». كانت القيّمة على المجموعة ومحررة الصور منذ عام 2012، كما أنها تعمل كمحررة صور مع مجلة «+972».