قضايا ودراسات

«الضاد» لا ينطقها أحد

عبداللطيف الزبيدي

حسنا، العربية لغة «الضاد»، فكم من العرب يستطيعون نطقها الصحيح؟ مئة؟ خمسون؟ عشرة في أربعمئة مليون؟ إذاً، ما هو الحرف الذي يردّده أهل الفصاحة؟ قد لا يوجد من بين علماء العربية خمسة يعرفون كيف تُلفظ«الضاد» القديمة التي صارت عنواناً للغتنا.
تحتضن المكتبة العربية عشرات الكتب في الفرق بين الضاد والظاء. أفضلها عشرة في الأقل. أغلبها تناول طريقة نطق الحرف، لكن الصوت غائب، فما فائدة التقريب؟ نخبة الواهمين تجعلها كالدال المفخّمة، بينما ليس مخرجها الأسنان واللثة بل جانب اللسان. من الكتب: «زينة الفضلاء، في الفرق بين الضاد والظاء» لأبي البركات الأنباري (القرن السادس الهجري)، حقّقه الأستاذ رمضان عبدالتواب، وزيّنه بمقدمة قيّمة، نقتطف منها ما دوّخ قدماءنا من اللغويين، وعدداً من المستشرقين، فدوخة ممتعة.
يقول الخليل بن أحمد في «كتاب العين»: «الجيم والشين والضاد في حيّز واحد»، ويرى المحقق أن الضاد القديمة لا يقابلها شيء من الأصوات، بدليل قول سيبويه «لولا الإطباق (يقصد التفخيم) لخرجت الضاد من الكلام، لأنه ليس شيءٌ من موضعها غيرها». المستشرق «برجشتراسر»: «مخرجها قريب من مخرج اللام، فالضاد العتيقة حرف غريب جداً غير موجود إلاّ في العربية، غير أن له نطقاً قريبا عند أهل حضرموت، وهو كاللام المفخّمة. ويظهر أن الأندلسيين كانوا ينطقون الضاد هكذا، ولهذا جعلها الأسبان لاماً ودالاً في الكلمات العربية المستعارة، مثل القاضي«ألكالدي»». ويضيف المستشرق: «الزمخشري ذكر في كتابه «المفضّل» أن بعض العرب كانت تقول: الطجع بدل اضطجع». ويرى «هنري فليش» أن هذا الحرف: «كان يجمع الظاء واللام في ظاهرة واحدة، وقد اختفى هذا الصوت فلم يعد يسمع في العالم العربي، وأصبح دالا مفخّمة وإمّا صوتا أسنانيّا هو الظاء».
نختم بدعابة في الضاد والظاء، قال الجاحظ في«البيان والتبيين»: «كان رجل بالبصرة له جارية تسمّى ظمياء، فكان إذا دعاها قال: يا ضمياء، فقال عبدالله بن المقفع: قل يا ظمياء، فناداها: يا ضمياء، فلما ألحّ عليه ابن المقفع قال له: هي جاريتي أم جاريتك؟».
لزوم ما يلزم: النتيجة النجاتية: الحمد لله على أن العمود مطبوع لا مسموع، وإلاّ لالطرب (اضطرب) القلم والطرّ (اضطر)إلى السكوت.

abuzzabaed@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى