قضايا ودراسات

العدميون الجدد

خيري منصور
العدميون ومن يعيشون لأنفسهم فقط من سلالة نرجس الذي عشق صورته في المرايا ليسوا بحاجة إلى مناسبة كي يبرروا انسحابهم من العالم، واستغراقهم في شجون ذاتية، بحيث تنقطع الصلة بينهم وبين محيطهم، وهؤلاء ظهروا في كل مراحل التاريخ، وعاشوا وماتوا على الهوامش أو ما يمكن تسميته قارعة التاريخ!
وفي عالمنا العربي ظهرت تيارات عدمية خصوصاً بعد الهزائم، لأنهم لا يطيقون الضوء ويبحثون عن الظلام كالوطواط، والذرائع التي يقدمونها لانسحابهم من الواقع أو الهجرة إلى داخل الذات مثيرة للسخرية لأنهم يريدون من السماء أن تمطر عليهم ذهباً وفضة، ويريدون من الآخرين أن يكدحوا نيابة عنهم ويحاربوا نيابة عنهم أيضاً.
بعد هزيمة حزيران كان شعار التيار العدمي هو وداع التاريخ وإسدال الستار على العروبة لأنها كما نعقوا أصبحت غاربة!
والفارق بينهم وبين النخب التي تعي دورها وتمارسه في أقسى الشروط هو أن المثقف يجترح ضرورته وجدواه حتى حين تنسد الآفاق كلها.
وثمة من يغذون العدمية خصوصاً السياسية في عالمنا العربي الذي يخوض الآن حرباً فاصلة وحاسمة.
وتغذية العدمية تتم ببث ثقافة مفرغة من أي مضمون قومي وإنساني تتأسس على مقولة خرقاء هي عبثية الوجود، وفراغ هذا الكون من المعنى.
عرف الغرب المعاصر مثل هذه التيارات لكنها حين تعرضت أوطانها للغزو أو المحن على اختلاف أشكالها خرجت من القمقم، حدث ذلك في فرنسا أثناء احتلالها، وفي ألمانيا بعد هزيمتها، وفي اليابان بعد الحجر عليها وقصفها بالقنابل الذرية.
رغم أن العربي وريث امرئ القيس الذي قال: «اليوم خمر وغداً أمر»، بعد مقتل والده أولى بهذه الصحوة وبالخروج عن الصمت واللامبالاة!
فأي غفران يرتجيه العدمي إذا كانت أمته تخوض حرب الحروب كلها وهي الحرب الوجودية؟Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى