غير مصنفة

العراق بعد «داعش»

د. حسن مدن

أعلن رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي أن المعركة مع تنظيم «داعش» الإرهابي قد حسمت بإلحاق الهزيمة العسكرية به، واستعادة الأراضي الواسعة التي كانت تحت سلطته، لتصبح تحت سيطرة الدولة. وقد بذل العراقيون، جيشاً وشعباً وقوات أمنية وتشكيلات المتطوعين التي انخرطت في المعركة ضد «داعش» تضحيات غالية ومقدرة، بدونها ما كان بالإمكان تحقيق النصر عليه، خاصة إذا ما تذكرنا أن القوات المسلحة، لحظة صعود التنظيم وتمدده، في عهد رئيس الحكومة السابق نوري المالكي كانت في حالٍ من الانهيار، بحيث لم تقو على مواجهة التنظيم الذي سيطر على مدن كبرى، في مقدمتها مدينة الموصل دون مقاومة.
أما وقد تحققت هذه المهمة الوطنية الكبرى بهزيمة «داعش» عسكرياً، فيجب القول إن فصولاً أخرى من المعركة ما زالت مفتوحة، على الجبهات السياسية والفكرية والمجتمعية وحتى الإدارية، إذا أريد للعراق أن ينهض من الوضع الصعب الذي يعيشه، ويعود دولة قوية، موحدة داخلياً، ومستقلة في قرارها الوطني، ومتوائمة مع حضنها العربي، لا بل مضطلعة بالدور المنشود منها بأن تكون أحد صمامات منظومة الأمن العربي بوجه «إسرائيل» من جهة، وكافة مشاريع التوسع الإقليمية الأخرى، من جهة أخرى.
من الأمور الملحة التي يدور حولها النقاش اليوم مصير «الحشد الشعبي»، ومعلوم أن المرجع الشيعي علي السيستاني أفتى في اللحظة الحرجة التي صعد فيها «داعش»، وأمام انهيار القوات المسلحة في مواجهته، كما أسلفنا، بالتطوع لنصرة هذه القوات استشعاراً منه بخطورة الموقف وتداعياته، وقد لقيت الدعوة تجاوباً واسعاً.
ودون الدخول في تفاصيل ما أثير ويثار حول التوظيف السياسي لـ«الحشد الشعبي»، يهم القول إن المعركة التي أنشئ من أجلها قد انتهت، وبالتالي انتفت الحاجة إليه، وعلى أفراده أن يعودوا لممارسة حياتهم العادية، على أن تتكفل الدولة بمعالجة أوضاعهم الوظيفية والمعيشية، كي لا يبقى هذا الحشد «جيشاً» آخر غير خاضع للقوات المسلحة، ويوظف في مهام أخرى.
هناك دروس كبيرة ينبغي تعلمها من صعود وتغوّل «داعش» في العراق، في مقدمتها أن التنظيم استفاد من استياء قطاعات شعبية واسعة في المدن والمناطق التي بسط هيمنته عليها، من أداء الحكومة المركزية، ودار حديث عن شعور هناك بالتهميش والإقصاء، على أسس فئوية، وهو ملف يتعين معالجته جذرياً، لاستئصال البيئة التي تنتج التذمر والغضب.
إن نظام المحاصصة الطائفية الذي هنّدسه الأمريكان، والذي قبلت به النخب السياسية المتنفذة لأنه عاد عليها بالمغانم التي لم تكن تحلم بها، لا بل كرّسته، قاد العراق إلى ما وصل إليه من مآلات مدمرة، وأصبح الفساد المستشري في أجهزة الدولة والذي أنتج فئة من محدثي النعمة الجشعين حديث الناس، وما لم تنه هذه المحاصصة لصالح بناء دولة مدنية ديمقراطية، فإن العراق لن يبارح ما هو فيه.

dr.h.madan@hotmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى