العقل و الجسد و الروح
محمد سعيد القبيسي
كنت قبل ايام في اجتماع مع احد الشخصيات المؤثرة والذي يمكن ان يطلق عليه اسم الملهم او المعلم او القائد، حيث تشعر بانه مهما زاد رصيدك من علم او خبرة ففي حضرته تكون تلميذا مستمعا لكل كلماته، ومن ضمن تلك الكلمات التي سمعتها والهمتني في كتابة هذا المقال والمعنون بها، وهي مايختص في غذاء العقل والجسد والروح.
يقولون دائما العقل السليم في الجسم السليم، وحين نتكلم عن العقل السليم اي الذي تتم تغذيته بالطريقة السليمة وعلى الفطرة التي فطرها الله سبحانه وتعالى حيث كانت اولى كلمات القران الكريم الذي انزل على رسوله صلى الله عليه وسلم ” اقرأ “
فالقراءة هي بطلب العلم الذي يغذي العقول وينميها ويساعدها على التطور وهذا ماتقوم به الدول المتقدمة الان بتشجيع الاجيال القادمة على القراءة والاطلاع والمعرفة واكتساب المهارات التي ستساهم مستقبلا في بناء الحضارات، وبالنظر الى ماحولنا من اختراعات وابحاث علمية وعلاج لامراض مستعصية وطرق حديثة لحل مشكلات كبيرة ماهي الا نتاج لهذا العلم، ولنا ان نعلم انه وبدون هذه التغذية المهمة تصبح العقول صغيرة ومحدودة التفكير، بطيئة الفهم ويسيطر عليها ظلام الجهل، و قد حث القرآن على اعمال العقل و التدبر و التفكر
قال تعالى: (أفلا يعقلون)
و قوله تعالى: (أفلا يتدبرون)
و قوله تعالى: (أفلا يتفكرون)
فالعلم هو مفتاح التعقل والتدبر و التفكر
وياتي الجسد بعدها حيث ان العقل السليم هو مايبني جسد سليم قادر على اداء الواجبات اليومية المتطلبة عليه ولن يتحقق هذا الشيء الا بتغذية هذا الجسد بما يفيده وبالاعتدال فالجسم ان زدت عليه تضرر بالتخمة وان قصرت فيه تضرر بالضعف والهذال.
فمتى حافظنا على تناول ماهو مفيد من الاطعمة الصحية والابتعاد قدر المستطاع عن الوجبات السريعة و المشروبات الغازية بالاضافة إلى ممارسة الرياضة و لو مرتين اسبوعيا، فإننا بالتأكيد سنحصل على أجساد قوية صحية و رشيقة.
ولكن هل تقتصر حياة الانسان على غذاء العقل والجسد فقط؟
بالتاكيد لا، فهناك غذاء الروح ايضا، وقبل ان نتحدث عن غذاء الروح لابد ان نعلم بان في مجتمعات اخرى تكثر حالات الانتحار وتعج المصحات النفسية بالمرضى الذين ما ان ينتهي برنامجهم من هذه المصحة حتى يدخلوا في مصحة اخرى لعلاجهم من ادمان العقاقير المهدئة والتي قد تؤدي بحياة الكثير منهم بسبب زيادة الجرعات، وهذا ماشهدناه مؤخرا لحالات كثيرة من مشاهير الفن والغناء الذين ادمنوا هذه العقاقير الى ان قتلتهم.
ولعل من اهم اسباب الانتحار والتي اشارت اليها العديد من الدراسات هو القلق والتوتر و الإكتئاب وعدم الشعور بالسعادة و الراحة النفسية، وقد دلنا القران الكريم الى ذلك في قوله تعالى: ((وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى))[طه:124-126]،
اذا فالاسباب التي تؤدي الى الضيق والاكتئاب والانتحار هي جوع الروح والتي تحتاج الى الغذاء والراحة بطاعة الله والتقرب اليه بالذكر والصلاة قال الله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد:28)
خلق الله سبحانه وتعالى الروح و جعل غذائها و راحتها في عبادته و القرب منه فمتى تقرب الإنسان لله بالصلاة والذكر ومختلف العبادات تغذت روحه و اطمئنت وهذا ما عبر عنه القرآن بقوله (يا أيتها النفس المطمئنة)، والنَّفْسُ المُطْمَئِنّة كما يعرفها العلماء : هي النفس الراضية فلا تفزع عند الملمات ولا تصخب في المصائب ولا تغالي في الفرح والبهجه ، بل هي ساكنه تعرفت على حقيقة الدنيا وحجمها فتعلقت بالاخرة.
و من هنا نستخلص أنه حتى يحقق الأنسان السعادة الكاملة في حياته عليه أن يحرص كل الحرص على تغذية العقل والجسد والروح معا و لا يهمل غذاء أي منهم ، فهم يكملون بعض فحتى يغذي الانسان عقله فعليه بطلب العلم الذي يحتاج الى جسم سليم معافى يمكنه ايضا من ممارسة عباداته التي تغذي روحه، فمتى اكتملت هذه المعادلة فهي السعادة في الدنيا والاخرة.