العودة إلى نقطة الموت
شيماء المرزوقي
تاريخ الإنسان محمل بقصص عديدة، عن سعيه الحثيث منذ ميلاده حتى وفاته لإطالة عمره، والبحث دون كلل عن الخلود. وعلى الرغم من أن قصة الخلود خرافية، إلا أنك ستجد أنها رافقت البشرية في مختلف المجتمعات، ومختلف الحضارات والأمم، وهو الموضوع الذي اهتم به الجميع؛ الأغنياء والفقراء وعلية القوم والناس بشكل عام، فحلم إطالة العمر والخلود يراود كل واحد منا، لكن هناك من سعى فعلاً لتحقيق هذه الغاية.
وتوجد معامل ومختبرات لا وظيفة لها، إلا البحث عن «مصل الخلود» والحياة الصحية الخالية من الأمراض والآلام. في هذا العصر تحديداً، اكتسبت مثل هذه المساعي دفعة قوية وتشجيعاً بالغاً وحماساً كبيراً، خاصة مع التطورات الهائلة في تقنيات الاتصالات وتطور شبكة الإنترنت، وصولاً إلى دخول تقنية الذكاء الاصطناعي.
هذه الثورة إذا صح التعبير جعلت الحلم القديم قابلاً للتحقق؛ لذا شاهدنا وسمعنا من يقوم بتجميد جثته بعد وفاته، بوهم أنه توجد تقنية في المستقبل لإعادته إلى الحياة، وتوجد شركات تستثمر وتقدم هذه الخدمة لمن يرغب ولمن يمتلك المال الكافي، والذي يشجع على مثل هذا التوجه، وجود علماء يؤكدون أن الإنسان سينجح في نهاية المطاف في التحرر من الجسد التقليدي، وهناك موجة فلسفية تجتاح العالم، يطلق عليها ما بعد الإنسانية، وهذه الحركة تزعم أنه في المستقبل سنتمكن بواسطة العلم والتكنولوجيا، من تقوية قدراتنا العقلية بل حتى الجسدية، وبالتالي سينجح الإنسان في تجاوز المرض والشيخوخة بل والموت.
البعض يعتبر هذه الفلسفة حديثة ومثل هذه الأفكار طارئة، لكن الحقيقة وكما ذكرت، هي ماثلة في تاريخ البشرية منذ الأزل، وإن اختلفت العناوين والطرق، إلا أن النتيجة والهدف واحد، وهو التخلص من المرض وكبر السن والموت، أو على الأقل تأخيره.
وإذا افترضنا جدلاً طبعاً أن المستقبل سيحمل في طياته مثل هذه التقنية التي ستجعل الإنسان قادراً على تغيير الكثير من مكوناته الجسدية التي تهرم وتتعب وتمرض، بأخرى آلية تعمل وفق عقله المتطور الذكي، فإنه تبعاً لمثل هذا التطور سنشهد دخول علل وأمراض جديدة، تماماً كما نشاهد اليوم الفيروسات وهي تهاجم هواتفنا الذكية وحواسيبنا وتخترقها، على الرغم من وجود حماية عليها.
أقول إنه بنفس الدرجة والحالة، فإن جسد الإنسان الحديث إذا صح الوصف سيتعرض لمثل هذا الهجوم من فيروسات أكثر تطوراً، وقد يكون الإنسان تورّط في صناعة بعض منها، حتى يكسب المزيد من الأموال عند شراء برامج الحماية والعلاج.
والمحصلة النهائية ستكون العودة إلى نقطة الصفر، وهنا ستكون العودة إلى نقطة النهاية التي نهرب منها، على الرغم من حتميتها، وهي الموت.
Shaima.author@hotmail.com
www.shaimaalmarzooqi.com