الغاز.. عنصر تعقيد للصراع
حافظ البرغوثي
أضيف الغاز عنصراً أساسياً جديداً لاستمرار الأزمة السورية وتوسيعها لتشمل ضيوفاً جدداً في نادي دول الحرب وجماعاتها، أي تركيا واليونان وقبرص و«إسرائيل»، ولن تكون واشنطن وموسكو بعيدتين عن الانغماس في المستنقع الغازي في شرق البحر المتوسط. فالأزمة السورية كما قيل بدأت بأطماع معينة بحقل غاز قبالة الساحل السوري يمتد حتى حمص ورفضت دمشق قبل الحرب عرضاً قطرياً لاحتكار واستثمار هذا الحقل لمدة طويلة، ويقال إن هذا السبب الذي جعل قطر تتدخل في تأزيم الوضع الداخلي السوري. وفي موازاة ذلك كانت «إسرائيل» آنذاك تمسح شرق البحر المتوسط بحثاً عن الغاز قبل أكثر من سبع سنوات وحفرت حقولاً عدة غير عابئة إن كانت المياه من حقها أم من حق لبنان أو مصر أو غزة. واستغلت «إسرائيل» حقلين كبيرين أحدهما يتعدى المياه الإقليمية الاقتصادية للبنان، والثاني يبعد عن حيفاً أكثر من 200 كم، لكنه يبعد عن دمياط المصرية أقل، ما يعني أنه تابع لمصر، لكن مصر اعتمدت مسحاً بحرياً أمريكياً يقرب الحقل ويسمى «ليفتان» من ساحل حيفا أكثر من دمياط وهو ما ينفيه محللون محايدون.
ولهذا رفض لبنان وساطة وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون بين لبنان و«إسرائيل» حول «بلوك 9» الذي تدعي «إسرائيل» ملكيته «كما رفض لبنان عرض الوزير الأمريكي مجدداً إحياء المقترح الأمريكي السابق للوسيط فريدريك هوف الذي عمل على معالجة النزاع النفطي قبل حوالي أربعة أعوام، الذي يقلص حقوق لبنان في مياهه الإقليمية لحساب «إسرائيل».
لبنان يرى أن المقترح الأمريكي يشرعن القرصنة «الإسرائيلية»، وغير مستعد للتفريط بنقطة واحدة من مياهه الإقليمية وثروته النفطية، وكذلك متمسّك بحقّه في حدوده البرية.
سبق وصول تيلرسون إلى بيروت مساعده السفير ديفيد ساترفيلد وجال على القيادات اللبنانية بطرح جديد، فسمع من لبنان خيارات عدّة منها اللجوء إلى التحكيم الدولي، بحيث يقدّم لبنان ما يملك من خرائط ومستندات إلى الجهات الأممية والدولية، أو ترسيم الحدود من خلال اللجنة الثلاثية المنبثقة عن تفاهم نيسان/ إبريل 1996، ف«الإسرائيليون» اكتشفوا حقلاً يبعد بضعة كيلومترات من «البلوك 9» ويريدون تخويف الشركات الدولية من التنقيب قريباً منه، ويراهنون على الدعم الأمريكي في توسيع مجالهم البحري وقضم الحصة اللبنانية، وكانت النتيجة أن التهديد بضرب المنصات «الإسرائيلية» قبالة السواحل الفلسطينية أرعبت الشركات الدولية التي ترفض التنقيب لصالح الاحتلال. ف«إسرائيل» اكتشفت أن مخزون الحقول التي تسيطر عليها أقل بكثير من التقديرات الأولية وأن تركيا التي عرضت أن تكون معبراً للغاز «الإسرائيلي» مضطربة في علاقاتها مع «تل أبيب» ومع أوروبا ولا يمكن أن تكون معبراً للغاز، بينما سارعت مصر إلى تحالف مع قبرص اليونانية واليونان بشأن الغاز واستكشافه وتصديره ومصر لا تريد الآن الدخول في صراعات حول الغاز خاصة وأن مخزونها المكتشف قبالة دمياط وفي «حقل ظهر» هو الأكبر في العالم وتحتاج إلى كسب الوقت للبدء في التصدير والخروج من أزمتها الاقتصادية.
بالطبع لا أحد يعلم ما إذا كانت دولة الاحتلال اعتدت على المخزون الفلسطيني من الغاز قبالة غزة، لعدم وجود بحاث، حيث تمنع «إسرائيل» استكشاف المياه الإقليمية والاقتصادية لغزة. يذكر أن ياسر عرفات كان منح شركة «بريتش غاز» امتيازاً للتنقيب في بحر غزة وتم تدشين أول بئر سنة 2000 على بعد 45 كيلومتراً من غزة، وبقي الأمر على حاله حتى الآن بسبب الحصار «الإسرائيلي» للقطاع.
وزير الخارجية الروسي لافروف أعلن قبل أيام أن الولايات المتحدة تريد الاحتفاظ بوجودها العسكري في العراق وسوريا خاصة شرق الفرات حيث منابع النفط والغاز، ما يشير إلى أن الغاز بات عنصر تعقيد إضافياً للأزمة في سوريا، كما أن تركيا انضمت إلى أساطيل الباحثين عن الغاز في شرق وجنوب قبرص التركية وقرب جزيرة يونانية في بحر ايجة ومنعت شركة «ايني» الإيطالية من نقل منصة حفر في الأعماق إلى جنوب شرق لارناكا، ما يعني توترات شديدة بين تركيا واليونان. وكما يبدو فإن الغاز سيلهب الصراع في سوريا بين الحلفاء الروس وإيران وسيلهب شرق المتوسط بين تركيا واليونان و«إسرائيل» ولبنان بينما يحاول «الأمريكان» الهيمنة بالقوة على ما تحت أيديهم من منابع للغاز والنفط.
hafezbargo@hotmail.com