مقالات عامة

الغوطة الشرقية ومنطق الإبادة

حسام ميرو

اعتبر أنطونيو جوتيريس الأمين العام للأمم المتحدة، أن القصف الجوي، الذي طال الغوطة الشرقية في ريف دمشق، حوّلها إلى «جحيم على الأرض». وكانت التقارير الإعلامية والحقوقية، قد تحدثت عن سقوط حوالي 500 ضحية من المدنيين جراء استهداف طائرات النظام السوري للغوطة الشرقية.
ويستعيد القصف الممنهج ضد المدنيين في الغوطة الشرقية، كما أمثلة أخرى من الحالة السورية خلال الأعوام السابقة، الحاجة إلى قراءة منطق الإبادة نفسه، وما يعكسه من محمولات سياسية وسيكولوجية؛ حيث إن الطرف الذي يقوم بالإبادة يضع نفسه في موضع المتفوق إنسانياً وحضارياً على الآخر، ويضع الآخر الذي يقوم بإبادته في موقع أدنى، أو خارج الجنس البشري، ما يسمح له فعلياً بممارسة فعل الإبادة دون أي رادع أخلاقي.
لقد ألصق النظام السوري، وآلته الإعلامية، تهمة الإرهاب بالغوطة الشرقية، في ظل سياسة ممنهجة منذ بدء «الانتفاضة السورية» قبل سبعة أعوام، التي حاولت تكريس «الانتفاضة» نفسها على أنها حركة إرهابية، يقودها متشددون، وقد بقي نهج النظام هذا سائداً حتى في المفاوضات السياسية مع ممثلي المعارضة.
في المنطقين الميداني والسياسي، لم يرَ النظام السوري، في حاجة المجتمع السوري إلى تغيير البنية السياسية أولوية، وقد تمثل المنطق الميداني بدفع الساحة السورية إلى مزيد من التطرّف، خصوصاً بعد الإجهاز على القوى المدنية السورية؛ من خلال اعتقالها أو تهجيرها، وإطلاق النظام قادة إسلاميين من سجونه، أصبحوا لاحقاً قادة فصائل مسلحة، ومنهم زهران علوش، مؤسس «جيش الإسلام» في الغوطة الشرقية، إضافة إلى تخفيف سلطته عن المعابر الحدودية، التي أصبحت ممراً للإرهابيين، الذين أتوا من جهات الأرض الأربع.
في المنطق السياسي للنظام، هناك رفض مطلق للتفاوض، وقد عكس أداء وفد النظام في كل جولات جنيف حالة من الاستعلاء تجاه المعارضة السياسية، رافضاً الجلوس معها على طاولة واحدة؛ لمناقشة مصير البلاد، والوصول إلى تسوية سياسية، تحقن دماء السوريين الأبرياء.
إن حماية المدنيين أثناء الحروب هي جزء لا يتجزأ من منظومة حقوق الإنسان، التي يفترض أنها مسؤولية أممية، خصوصاً في حال عدم التزام الأطراف المتحاربة بمبدأ تحييد المدنيين عن الصراع؛ لكن هذه المسؤولية الأممية بقيت غائبة تماماً في الصراع السوري، كما عكست المؤسسة الأهم في المجتمع الدولي، أي مجلس الأمن، حالة الفشل الذريع في الوصول إلى توافقات دولية تضع حداً لهذا الصراع؛ بحيث تجبر كل أطراف الصراع على الوصول إلى تسوية شاملة، والأخطر من ذلك أن مجلس الأمن نفسه قد تحوّل إلى حجر عثرة في وجه إدانة النظام السوري؛ لاستخدامه أسلحة كيماوية، فقد استخدمت روسيا حق النقض «الفيتو» مرات عديدة؛ لمنع إدانة النظام السوري.
ولقد لعبت الانتهازية السياسية الدولية، دوراً سلبياً في الرسائل التي وجهتها خلال الصراع السوري، فقد قبلت إدارة الرئيس باراك أوباما بتسوية بخصوص الأسلحة الكيماوية، التي يمتلكها النظام السوري، مقابل عدم تعكير أجواء المفاوضات مع إيران بخصوص ملفها النووي، وقد فهم النظام السوري، عبر هذا السلوك الأمريكي، إضافة إلى الكثير من الأمثلة ألأخرى، أنه يمتلك الضوء الأخضر في حربه على قوى المعارضة، وأنه لا توجد إرادة دولية فعلية؛ من أجل وضع حد لممارساته، وهو ما أعطاه القدرة على المناورة، والاستمرار في ممارسة سياسة الأرض المحروقة في غير مكان من سوريا.
وإذا كانت الغاية بالنسبة للنظام السوري اليوم في الغوطة الشرقية هي استسلام الفصائل المسلحة، إلا أن هذه النتيجة، حتى لو تحققت، فهي ستكون مقدمة لفشل سياسي كبير في التسوية السورية؛ بل ودق مسمار آخر خطر في نعش التعايش المجتمعي والوطني، وستترك جرحاً مفتوحاً في جسد المصالحة الوطنية، التي من دونها لا يمكن تحقيق أي مستوى من الاستقرار في سوريا.

husammiro@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى