غير مصنفة

«الفراغ».. نجم مطلوب

مارلين سلوم

كيف حال شبابنا اليوم مع الإنترنت؟ منخرطون جداً في عالم التكنولوجيا، وهو أمر طبيعي، يبحثون عن معلومات ويساهمون في عمليات التطوير وفي تقديم الأفكار لبناء مستقبل أفضل، لكن، هل كل ما يفعلونه يصب في خانة «التطوير والتقدم»؟ الإحصاءات أكثر إنباءً من التكهنات والتحليلات، خصوصاً حين يكون مصدرها معروفاً.
أكثر من 310 ملايين مشاهدة في اليوم، رقم يبدو خيالياً ولكنه واقعي جداً وحقيقي، طالما أنه صادر عن إحصاءات لمركز الشباب العربي، والتي تؤكد بأن العالم العربي يحتل المركز الثاني عالمياً في عدد مشاهدات الفيديو على الإنترنت. ماذا يشاهد هؤلاء الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و29 عاماً؟ وماذا يشاهد الأصغر منهم سناً؟
أسئلة يهمنا أن نعرف الإجابة الدقيقة عنها، وحبذا لو يتم نشر تفاصيل تلك الإحصاءات التي أعلنت على هامش أعمال برنامج القيادات الإعلامية العربية الشابة في أبو ظبي، والذي نظمه مركز الشباب العربي.
الأرقام تحكي اتجاهات الفكر الشبابي، ومن واجبنا مراعاتها كي نعرف بدورنا كيف نغيّر من خريطة برامجنا وتوجهاتنا، خصوصاً وأن الإعلام اليوم أمام تحديات كثيرة، والإعلام المرئي لم يعد يلبي احتياجات الشباب وطموحاتهم، والأمر مماثل بالنسبة للأطفال أيضاً، الذين نادراً ما يجدون ما يشاهدونه على الشاشات العربية.
نعم، من الطبيعي أن نجد 78% من شبابنا يفضلون الإنترنت على التلفزيون، خصوصاً وأن مشاهدة الأفلام والمسلسلات أصبحت متوفرة أولاً بأول، وكثير من هؤلاء يستمتعون بمشاهدة مسلسلاتهم وبرامجهم المفضلة عبر الإنترنت دون الحاجة لانتظار مواعيد العروض التلفزيونية. والمشاهدة إلكترونياً تعني بالنسبة لنا الكثير، أولاً أن الرقابة معدومة، وأن المواعيد مفتوحة دون قدرة الأهل على ضبطها وفق إيقاع الدراسة أو الالتزامات والواجبات ومواعيد النوم والاستيقاظ.. كما تعني أن الشباب يتجه نحو الاستغناء عن التلفزيون الذي لا يملك مادة ترضي أبناء هذا الجيل وتلبي تطلعاتهم ورغباتهم وأذواقهم.
لا ننسى طبعاً هوس الشباب وبعض الكبار أيضاً بإنشاء صفحاتهم الخاصة على «يوتيوب»، سعياً خلف الشهرة، ولأنها «الموضة» الرائجة. وللأسف، البعض لا يملك إلا فراغاً وتفاهة يقدمها، وبفضل فضول الشباب وكثرة مشاهدة «التفاهة» سواء لتقليدها أو للسخرية منها، يحقق الفيديو نسب مشاهدة عالية، ويصير «الفراغ» نجماً مطلوباً، يستضيفونه في بعض الأماكن ويتهافت الصغار للقائه أو الهتاف له ولو عن بعد.
ماذا يقدم إعلامنا لهؤلاء الذين يُعتبرون بناة المستقبل؟ كيف يجاريهم وهو يتجاهلهم وينشغل باللهاث خلف «التوك شو» أولاً، والبرامج التقليدية الروتينية ثانياً؟ ألم يجد بعد الوسيلة أو الخطة الناجحة لاستقطابهم وتخصيص مساحة لا بأس بها كي يطلوا من خلالها، أو على الأقل يجدوا ما يعنيهم ومن يتحدث إليهم ويحاكي عقولهم من خلالها؟
شبابنا العربي يستحق أكثر من ذلك، ويستحق أن يجد لدى الإعلام مواكبة ذكية لتطلعاته، كما يجد لدى بعض المسؤولين من يسارع لتحقيق أحلامه وفتح الأبواب أمامه وتبني مشروعاته ليحلق بها عالياً ويقفز فوق التفاهات.

marlynsalloum@gmail.comOriginal Article

زر الذهاب إلى الأعلى