مقالات عامة

الفلسطيني ليس هندياً أحمر

يوسف أبو لوز

الشاعر الدكتور وليد السويركي هو أوّل من انتبه إلى شعر الهندي الأحمر «امبرتو أكابال» الشاعر الغواتيمالي الذي إلى الآن يكتب باللغة الأم لقبيلته الهندية «الكيتشي مايا»، وربما أوّل من اهتم بقراءته هم الشعراء الفلسطينيون؛ لما وجدوا فيه من تناظر تاريخي وتراجيدي مع تاريخهم وآلامهم الطويلة منذ أكثر من ستين عاماً، فالكثير من الفلسطينيين شعراء أو بسطاء.. أبناء مدن أو أبناء مخيمات يتماثلون نفسياً مع الهنود الحمر.. الشعب أو الشعوب التي تعرضت للإبادة الجسدية والثقافية، لكن هذا التماثل ناقص أو هو غير مكتمل من حيث إن الفلسطيني لم يصبح هندياً أحمر؛ لأن عدوه «الإسرائيلي» لم يستطع إلى اليوم إبادة ثقافة الفلسطيني وتاريخه وذاكرته.
الولع، إذاً بالهندي الأحمر «امبرتو أكابال» فلسطينياً أو حتى عالمياً هو ولع رومانسي يستحضر دائماً مأساة شعب ذوّبت ثقافته الاستعماريات البيضاء الإسبانية والأمريكية، أما على مستوى الواقع، فالفلسطيني ليس هندياً أحمر، ولن يكون كذلك في يوم من الأيام .
في مقالة كتبها الشاعر الفلسطيني الراحل علي الخليلي في العام 2006 يقول: «أعدت قراءة النص الجميل مرتين.. يقصد «شعر امبرتو أكابال»، ويتابع الخليلي.. «.. أنا الفلسطيني الهندي الأحمر من الكيتشي مايا» المقهور، ومن الأمة العربية المقهورة، ومن لبنان إلى العراق إلى الصومال إلى السودان..».
ما ذكره الخليلي «الفلسطيني الهندي الأحمر» هو خطاب شعري، عاطفي انفعالي، وهذه العاطفية لا تلغي أبداً مرارة أو حرارة ما يقول.. فالفلسطيني هندي أحمر شفوياً و«شعاراتياً» أو «خطابياً».. لكن على الأرض هو ابن حيفا ويافا والقدس ورام الله ونابلس والخليل.
إن مستوى آخر جمالياً لقراءة «امبرتو أكابال» هو الذي ينبغي أن يقرأ إنسانياً بالدرجة الأولى، وليس سياسياً، وهذا هو نبض هذا الشاعر العبقري الإنسان بصوره الريفية الفطرية البالغة الرقة والعذوبة.. فالحطب عنده يحترق لكي ينسى أنه كان شجراً ذات يوم قبل أن تلتهمه النار، وهو كان يحتزّ النجمات ويأكلها، و«في الكنائس لا نسمع غير صلاة الأشجار، وقد صارت مقاعد».. أما ذروة «امبرتو أكابال» فهي في هذه القصيدة: «الشمس»:
«تنفذ الشمس عبر الحجارة الطينية
بعناد من يصرّ على رؤية ما في بيوتنا الصغيرة
فيشحب لونها حين ترى
أن فقرنا يغدو تحت ضوئها أكثر ألقاً..».
بالإصغاء الإنساني لقصيدة الشمس هذه يكون «أكابال» ليس فلسطينياً فقط، بل هو أيضاً سوري وعراقي وهندي وأمريكي وياباني.. وحتى حدود الصين.

yabolouz@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى