القمة الخليجية في موعدها
مفتاح شعيب
تنعقد قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية في دورتها الثامنة والثلاثين، كما هو مقرر لها في الكويت يومي الخامس والسادس من هذا الشهر، التزاماً من الدول الأعضاء بالمصير المشترك، وتأكيداً على وحدة هذه المنظومة الواعدة، رغم التحديات الكبيرة التي واجهتها وتواجهها، ولكن في كل مرة تنطلق أكثر قوة وأكثر تفاؤلاً إلى الأفضل.
أنهت الكويت استعداداتها للقمة الموعودة، بعدما بذل أميرها الشيخ صباح الأحمد جهوداً كبيرة لهذا الحدث الكبير. وتقديراً لدوره، لبت الدول الأعضاء الدعوة، عكس كل التوقعات التي كانت تراهن على أن القمة لن تنعقد على خلفية أزمة قطر، التي يتبين أنها «أزمة صغيرة» بالفعل، ولن تعرقل مسيرة المنظومة الخليجية. وربما تكون هذه القمة فرصة أمام القادة القطريين لتدارك ما فات، والتخلي عن السياسات المنحرفة التي خلقت التوتر في المنطقة. كما يتبين أيضاً أن الدول الداعية لمكافحة الإرهاب، ليست في وارد التنازل عن ضرورة التزام الدوحة بالمبادئ الستة، والشروط الثلاثة عشر لحل الأزمة، لأنها الكفيلة بإعادة الوئام بين جميع الأطراف، كما أن تطبيقها سيساهم بقوة في إحلال السلام والاستقرار بين شعوب المنطقة.
في هذا الظرف الصعب، تتغلب الحكمة وتتجه دول المنظومة إلى استكمال العمل الخليجي المشترك المحددة أهدافه منذ لحظة تأسيسه الأولى، فهذا الصرح الذي عمّر ما يقارب الثمانية والثلاثين عاماً، مازال مثاراً للفخر والإعجاب، بما أسبغه من فضل على الشعوب الخليجية، كما يظل تجربة عربية ناجحة، بعدما فشلت كل التجارب المماثلة وانتهت نهايات مؤلمة. ومن هذا المنطلق يمكن التفاؤل بأن تؤكد قمة الكويت تصميم قادة دول الخليج العربية على التمسك بهذه المسيرة، كما تؤكد أن كل الأزمات العابرة لن تختطف ما ترسخ من قناعة وإيمان بالمصلحة المشتركة. فقد واجه مجلس التعاون من قبل عواصف كبيرة مثل الغزو العراقي للكويت، ولكنه أثبت صموده وقوته وأظهر أنه تكتل متماسك، ويلعب دوراً سياسياً واقتصادياً وأمنياً كبيراً في استقرار المنطقة والعالم. في السنوات الأخيرة، أصبح مجلس التعاون الخليجي واحداً من الأقطاب الدولية، وصاحب موقف حاسم في عدد من القضايا والأزمات.
منذ تأسيس مجلس التعاون لم تنقطع قممه الدورية التي بقيت مناسبة سنوية تلتقي خلالها الدول الأعضاء، لإضافة لبنات جديدة وطرح مبادرات تأخذ في الاعتبار ما تم عمله وتؤسس لما هو لاحق، وذلك واحد من أسرار نجاح مجلس التعاون الخليجي، وعامل أساسي في توثيق وشائج التعاون بين دوله وشعوبه. وبناء على ما تحفل به هذه المسيرة، تزداد الثقة في ألا خوف على هذا الإنجاز العربي الوحدوي، الذي لم يكن منغلقاً على ذاته، بل ظل يمد جسور التعاون. وخير الأمثلة على ذلك بناؤه علاقات متميزة مع مصر، باعتبارها الشقيقة الكبرى، ولقناعة بأن القاهرة هي دعامة أساسية للأمن القومي العربي، وركن أساسي في أمن المنطقة واستقرارها.
حين تنعقد قمة الكويت الخليجية، ستكون لؤلؤة في عقد ثمين من قمم خليجية، ستستمر وستأتي في كل مرة بالجديد. ومهما تكن التحديات والأزمات العابرة، وجد مجلس التعاون الخليجي ليبقى، وليظل منارة عربية تشع بالخير والرفاه والتعلق بالمستقبل، كما يلهم بقية أبناء الأمة العربية إلى الاستلهام من تجربته، والعمل على بناء منظومات وحدوية تؤسس للهدف البعيد المتمثل في الوحدة العربية الشاملة.
chouaibmeftah@gmail.com