المحاصصة عنصرية وتخلف وجريمة
محمد حميد رشيد
مصطلح الدولة المدنية أو الدولة الديمقراطية العلمانية أو دولة المؤسسات أو دولة سيادة القانون هي ذاتها دولة المواطنة وإن إختلفت المسميات كون إن الأساس في الدولة الوطنية أو (دولة المواطنة) أن يكون فيها المواطنون سواء أمام القوانين والدساتيروأمام الحقوق والواجبات بغض النظرعن معتقداتهم ودينهم وقوميتهم وجنسهم وثقافاتهم ولغاتهم وتتعدد فيها الثقافات والأحناس بلا تمييز ولاتفرقة ويكون الناس فيها أحرار بفكرهم وآرإهم وطقوسهم
وتكون تلك المكونات الدولة وتمنحها القوة والتنوع عبر وحدة الشعب الواحد وتراص تلك المكونات في مكون واحد (الشعب) و وحدة الشعب تؤهله ليكون مصدر السلطات أما المكونات الصغيرة والبسيطة فهي تستحق الدعم والمساعدة أكثر من المكونات الغالبة وعلى عكس من دولة المحاصصة التي تتكون فيها الدولة من المكونات مستقلة متنازعة المغانم متناقضة المصالح. ولدولة المواطنة قيادة واحدة (قيادة الدولة) فوق كل القيادات الأخرى (حزبية أو عشائرية او نقابية أو مناطقية) و وحدة الشعب (المكون من عدة اجناس وقوميات واديان وعشائر ولغات) و وحدة الهدف الوطني الذي يعلو و(لا يلغي) الأهداف الجزئية قومية كانت او دينية و ومصلحة الشعب الواحد واحدة تحقق داخلها مصلحة المكونات وتعلوا المصلحة الوطنية على المصالح الأخرى!
دولة المواطنة تتكون من شعب واحد متعدد المكونات ومصلحة المكونات في مصلحة الشعب بينما دولة المحاصصة والمكونات تتكون من عدة مكونات مختلفة ولكل مكون مصلحته الخاصة التي تقدم على كل المصالح الأخرى لذا تترعرع فيه الطائفية والعنصرية بكل مكوناتها واشكالها لذا قد تجد رفضاً للتمييز على أساس اللون مثلاً ويعتبر ذلك عنصرية بينما لا يرفض التمييز على اساس العراق او الدين او المذهب ويلبسه لبوس الحرية ويمنحه الصفة الدستورية! في حين ان الحرية تتوقف عند حق الاخرين في الحرية ايضاً.
لذا تجد في دولة المكونات ان الأغلبية تحددها صناديق الطائفة أو المكون أو العرق وتحضى بإمتيازات وحصص خاصة. بينما في الدولة المدنية الوطنية تحدد صناديق الإنتخابات العامة الأغلبية دون النظر إلى العرق او الطائفة أو الجنس!.
وأصحاب (دولة المكونات) ينتابهم شعوراً بالعيب من الأسم لذا يلبسونها ثياب (الدولة الوطنية) لانها تمثل كل المكونات والطوائف كل على حدة وبحجم مكونه وما هي بدولة المواطنة ولا هي دولة المواطن. وهذا واضح جداً فأركان العملية السياسية الحالية في العراق لا يهمهم أياً كان ثمن بقائهم في السلطة فهم ذاقوا طعم السلطة من بعد حرمان إجتماعي وإضطهاد سياسي ومطاردة وغربة (وكل ذلك ليس بعيب لكنه ساهم في صناعة شخصيتهم السياسية الحالية) وأبهرتهم الإمتيازات السياسة والصلاحيات المفتوحة والمغانم المليارية وتحولوا نحو الثراء المفرط الذي تجاوز ثراء أكبر أغنياء والبعض منهم إنتقلوا من وظائف حكومية بسيطة إلى قمة هرم السلطة ومنهم باعة متجولين ومنهم العاطلين الباطلين الرعاة وحتى القتلة المجرمين والبعض منهم كان يمتهن التهريب وآخرين مهن بسيطة وأغلبهم كانوا يعانون من ضيق الحال ومن طبقات إجتماعية محرومة وما الإنتخابات عندهم إلا لعبة قمار(روليت) ومن يفوز بها يفوز بكل ميزانية الحكومة وثروات البلد والسلطة بأكملها تصبح ملكهم وفق (حصص) المكون (وهم المكون ذاته) وفق (إستحقاق إنتخابي) ليسخروها لحاجاتهم الشخصية والعائلية وسرعان ما يتفلتوا من ضوابط العقيدة الأخلاقية كما هم يعلنون .
رغم أن السلطة وظيفة حكومية من أعلى هرم في السلطة (رئيس الوزراء) حتى أدنى منصب فيها. ولا يترتب على الإنتخابات أي أمتيازات شخصية غير فرصة خدمة الوطن من خلال البرلمان وأصبحت الحكومة بكل مؤسساتها كعكة من حقهم أن (يتشاركوا) بإقتطاعها ومحاصصتها كل حسب (إستحقاقه الإنتخابي) ؛ وإستملكوا الدولة أرضاً وبناء و وممتلكات وهم مستعدون أن يقاتلوا و أن يجيشوا الجيوش للإحتفاظ بها ولتزهق الأرواح وتثكل الأمهات والزوجات ولا يفرطوا بهذا المغنم الثمين. وما معالي الوزراء الأكرمون إلا أجراء عندهم يبصمون على إقالتهم قبل توزيرهم ويقسمون على الولاء لمن يعنهم أو للأحزاب التي نصبتهم من غير إستحقاق… حظ ونصيب في هذه الدولة المحتضرة المزيفة والشهادات والمناصب المزورة يدفع العراق وشعبه كل يوم ثمن هذا الجهل والتخلف والفساد لكن أما آن للعراق أن يحكمه الأخيار الأكفاء العلماء والخبراء وأن يحكمه من يستحق أمانته هذا ما تحققه دولة المواطنة المدنية فهي دول قانون أولاً وتحكمها الأنظمة الثابتة ولاتعرف التمييز ولا التفرقة بين مواطن وآخر.
اليس هذا واقع المحاصصة في العراق وهل هي تعني شيء غير هذا في العراق لذا كانت حكومات الفساد المتعاقبة و وزراء الفساد والفشل المزدوج وتبادل المناصب حتى يكون احدهم قد نصب وزيراً لثلاث مرات في ثلاث وزرات لا يجمع بينهم جامع! ولهذا كان حصيلة الدولة الفشل وتردي الخدمات (وليس تراجعها) وكل وزير يأتي ليقتات على ما تبقى في (الوزارة) من أرث من سبقه (قد) يخدم فيها شعبه وذلك همه الثاني وليس من أجل هذا نصب لأن الهم الأول والأخطر إرضاء (ولي نعمته) ومن نصبه حزباً أو شخصاً ومن بعد هذا الطائفة او العراق الذي يمثله وما تبقى (إن تبقى) للحكومة والشعب!.
وتصدرت الدولة العراقية قوائم الفساد والفشل العالمية ! ولكن لم تهتز غيرة أي مسؤول في الدولة ولم يشعر بالعار والخزي ولم يحرك انامله في محاربة الفساد الذي خيم على الدولة رغم أنهم جميعاً يعترفون بفساد الدولة والوزراء والمسؤولين ورغم أن هذا الفساد افقد ثقة الشعب بمصداقيتهم (الدينية) التي ضحوا بها منذ اليوم الاول لإستلامهم السلطة والدولة وكذلك إنعدمت مصداقيتهم السياسية وفقدوا إحترامهم الوطني. وأنعكس هذا الفشل في أداء الدولة (المحاصصية) التي افرزت الفساد والفشل (.المحاصصي)على الحالة الإجتماعية والصحية للشعب العراقي وبدأت تظهر مؤشرات غاية في الخطورة منها تردي الخدمات الصحية وتردي التعليم والصناعة والزراعة وزيادة نسب الأمية وتفشي المخدرات حتى وصلت لطلاب المدارس والكليات وزيادة نسب الطلاق المرعبة وبروز ظاهرة تهريب العملة بشكل غير رسمي ورسمي وعبر البنك المركزي وبطريقة شبه علنية ! لعل هذه هي أهم منجزات الدولة لغاية اليوم وزيادة نسب البطالة والعنوسة وزيادة نسب الفساد الاجتماعي وبروز ظاهرة الإلحاد بشكل غريب بل وفي كثير من الأحيان تكون تقليدياً (مودة) أو رفضاً للواقع المعاش وليس فكراًواعياً ولكن من الواضح أن الدولة في واد والشعب في واد أو لعل المخدرات وصلت لها فأسكرتها في نشوة الرفاهية والثروات والايفادات وعمليات التجميل والصيانة وتعدد زوجات المسؤولين وتبدل ازواج (بعض) المسؤولات ؛حالة من اللامعقول وفقدان الوعي وتحدي الشعب لا يملك ما يملكون فهو الأعزل الفقير الذي سحقه العوز والمرض والحاجة والخوف من اقتل والخطف والإعتقال ونزلاء السجون يتزايدون ولا أحد يسأل عن اسباب كل هذا !.
وبغض النظر عن صراع الديكة يقف الشعب في الإنتظار أيهم يكون على يده الخلاص حتى يفقد الأمل بهما فيكون له عند ذلك صوتاً وجولة غير كل هذا وغير ما تسمعون ولن تجد بينهم من يفاوض أو يسمع كونه يثور على كل شيء وعلى كل الخدع بلا قيادة وبلا توجيه لأنه ساعتها سيفقد الثقة بكل الثقافات وتنعدم عنده كل الحجج وسيتحرك بكتلة واحدة عبر عقل جمعي غير واعي لا يعرف سوى شعور واحد يسيطر عليه الثورة والإنتقام ويهرس كل من يقف أمامه بما فيهم الناصحين.
أيها الفاسدون والقتلة والفشلة السفلة والطائفيون كلكم مجرمون وكل من مدحكم ظلمكم وهو مجرم معكم وأنا ناصحأ لكم مخلصاً للعراق أسمعوها مني: الشعب العراقي شعب عريق متحضر ومعتز بنفسه يمتد إلى آلاف السنين وهو عصياً على أمثالكم جاع وأهين وأبتز وإستغل وحُرم وخدع وأهمل وسكت عنكم كثيراً وصبر وهو شعب مرفه كريم لا يستحق ما جرى له ولم يبقى أمامه سوى الثورة عليكم فتوبوا وعودوا قبل ان يأكلكم جميعاً (ولاتَ حين مناص).
نقلا عن المدى