مقالات عامة

المراهقون في النيابة العامة

نور المحمود

ماذا يفعل الطلاب في قاعة المحكمة بين القضاة والمحامين والمتهمين والمجرمين والشهود..؟ يتبادر السؤال إلى أذهان أولياء الأمور حين يعلمون بأن أبناءهم سيذهبون في «رحلة مدرسية» إلى النيابة العامة في دبي. فالرحلة المدرسية تكون عادة ترفيهية، توعوية، تعليمية.. لكن أن تدخل أروقة المحاكم، فهي بلا شك «رحلة» لن ينساها أي طالب وولي أمره.
سنوات مرت، و«نبراس» يفتح أبواب النيابة العامة في دبي أمام طلبة المدارس، ليأتوا إليها وفي قلوبهم شيء من الخوف والتوجس، ويخرجون منها وفي عقولهم إضاءات كثيرة على قضايا حياتية مهمة، يعيشون بعضها ويسمعون عن بعضها الآخر. وزيارة طلبة المدارس لهذا المكان «المقدّس» الذي يشعر كل إنسان بالرهبة منه حيث القانون هو الحاكم، وميزان العدالة معيار لا فصال فيه أو جدال حوله.
حاول أن تسمع أي طالب بعد عودته من النيابة العامة، فتجد فيه كل الحماسة والاندفاع ليخبرك عما رآه وسمعه هناك، وترى في عينيه كل الانبهار والدهشة، وتلمس هذا الإحساس المتأرجح بين الأمان والطمأنينة، وبين الخوف من مخالفة القانون وتخطي الخطوط الحمراء سواء برعونة وعن غير قصد أو حباً بكسر القواعد وإثبات الذات الذي يدفع المراهقين عادة نحو التهور.
«نبراس» يستقبل الطلبة خصوصاً الفئات العمرية «الحساسة» إن جاز التعبير، أي المراهقين ما بين 14 و17 عاماً. يفتح أمامهم أبواباً كثيرة للمعرفة، التي تثلج الصدور وتكشف عن وسائل متنوعة للتوعية الاجتماعية والتربوية والأخلاقية والأمنية، عبر إشراكهم في جلسات حقيقية لمحاكمة متهمين بسرقة أو تزوير أو جريمة قتل. يجلسون في القاعة يتأملون المجرمين والشهود، يحاولون اكتشاف الحقيقة، من يكذب ويضلل العدالة ومن يصدق ويعترف. ثم ينتقلون إلى جلسة توعوية يستمعون لشرح مستفيض عن الجرائم الإلكترونية، والاغتصاب، والعلاقات، والتحرش، والمخدرات.. الكلام واضح وصريح، لا مواربة ولا مجاملة، والطلاب يستوعبون ويخزنون معلومات كثيرة مهمة، تصلهم عبر أحد الأجهزة المسؤولة عن حماية الناس والمجتمع والمسؤولة عن إلقاء القبض على المتهمين وملاحقة المخالفين والمجرمين، ودراسة الأوراق والاطلاع على كل الحيثيات وكشف الحقائق.
الكلام هنا له وقع آخر مختلف تماماً عن وقع كلام كل أم وأب على أبنائهم وبناتهم. فالأبناء يستقبلون كلام الأهل بشيء من التهاون ولا يشعرون بحقيقة المخاطر التي يحذرونهم منها، حسبهم أنها «تهويل» ليس أكثر. بينما الكلام في «نبراس» مدموغ بشعار «الشرطة» والقضاء، ومقرون في أذهان الشباب بالقانون والسجن والعقاب.
ليت كل المدارس تشارك في «نبراس»، وليت كل الأهالي ينصتون إلى ما يحكيه لهم الأبناء عن تلك التجربة الثرية.. وليت النيابة العامة توسع الدائرة أكثر لتشمل الأطفال من أعمار التاسعة وما فوق، لأنهم هم أيضاً أصبحوا معرضين لنفس المخاطر، ويتحدثون بنفس لغة المراهقين، والجرائم الإلكترونية والتحرش والتواصل مع الغرباء وتعاطي المخدرات لم تعد تستثنيهم في زمن التطور السريع والانفتاح المبكر، الذي قلب معايير النضوج والأعمار والمراهقة.

noorlmahmoud17@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى