مقالات عامة

المستهلك المراقِب

ابن الديرة

قبل مدة من الزمن، طرحت إدارة حماية المستهلك بوزارة الاقتصاد، مبادرة كان عنوانها «المستهلك المراقِب» بكسر القاف، تهدف إلى خلق نوع من الاستقرار في أسعار المنتجات الغذائية الرئيسية، من لحوم وأسماك وخضروات وفواكه، وأن ينحصر التفاوت في أسعار المنتج الواحد بحسب جودته ومميزاته ومدى اقترابه من تلبية حاجة المستهلك الفعلية له، بخواصه النوعية المطلوبة.
وكطبيعة كل عمل يجد من يتحمس له لبعض الوقت، ويتجاهله في معظم الأوقات، ويخبو بريقه وتقل بهجته وتتدنى قيمته وأهميته مع مرور الوقت وظهور قضايا ومشاغل جديدة تستحوذ على الاهتمام من جديد، وتجد من يتحمس لها، إلا أنها سرعان ما تأخذ مكانها في زاوية النسيان.
وهذا هو بالضبط حال المستهلك ووسائل حمايته والمتحمسين لقضيته، والخائفين على تأثر استقرار السوق ونشاط تداولاته بفعل الارتفاع غير الطبيعي لأسعار المنتجات، وانخفاض القوة والقدرة الشرائية معاً، بل وعدم إمكانية صمودها في وجه ارتفاع غير مبرمج في الأسعار تبات عاجزة أمامه تماما، وهذا الوضع غير صحي وليس سليماً ولا في مصلحة الاقتصاد الوطني.
لا مجال لإلقاء اللوم على إدارة حماية المستهلك بوزارة الاقتصاد، ولا تحميل المسؤولية لجمعية حماية المستهلك التي لا حول لها ولا قوة، وإمكانياتها متواضعة ووجودها شرفي لا أكثر، فالقضية أكبر بكثير من إمكانيات الطرفين وقدراتهما وصلاحياتهما، فالاقتصاد حر ولا مجال لتقييد حركته.
ولكن، مع إيمان القيادة الرشيدة للبلاد المطلق بالحفاظ على عنفوان مسيرة التنمية الاقتصادية، ورفضها بإصرار أي شكل من أشكال الاحتكار الذي يؤدي إلى التحكم بالأسعار ورفعها بلا ضوابط، بعيداً عن الحكمة والعقلانية، يبقى التجار والمستهلكون وحدهم في الساحة وفي تحمل المسؤولية.
التجار يحققون أرباحاً تفوق الخيال في عملياتهم التجارية، سواء كانت استيراداً للأسواق المحلية، أو لإعادة التصدير إلى الخارج، وغيرها من الممارسات، فما الذي يضيرهم أن يقنعوا بنسب أرباح إنسانية تلبي احتياجاتهم مهما كبرت واتسعت، وتكون في الوقت ذاته برداً وسلاماً على المستهلكين فلا تكويهم بنارها، ولا معنى لهذا الجشع غير المعقول الذي يكتسح كل ما في طريقه في سبيل الوصول إلى غاية الربح الأقصى.
والمستهلك الحائر يساهم بدون وعي في خلق مشكلته واستفحالها، بالشراء العشوائي والاستهلاك غير المنظم، والهدر غير المبرر لكثير من المنتجات التي يشتريها ولا يستهلكها، ثم يشتكي ارتفاع الأسعار، والمطلوب من الجميع أن تعيش كل أسرة بما يناسب دخلها الشهري أو السنوي، لنخفف على الأقل من هدر العملات الصعبة على الاستيراد من كل بقاع العالم تقريبا، واقتصادنا أحق بها ليواصل مسيرته الظافرة التي نأمل أن تتمكن من تخطي عقبة ارتفاع الأسعار وانخفاض القدرة الشرائية بسلام.
هل للمستهلك المراقب دور، فيلجأ إلى إدارة حماية المستهلك كلما صادف ارتفاعاً في الأسعار؟
وإذا كان الارتفاع طال كل صغيرة وكبيرة في حياتنا، فهل هناك من سبيل غير وقفة حكومية صارمة يمكن أن تصحح المسار؟

ebnaldeera@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى