مقالات عامة

المضادات التي أضعفت الإنسان

شيماء المرزوقي

قبل نحو 138 عاماً وتحديداً في 1880 تمكن عالم ألماني يسمى أرليخ من اكتشاف كريات الدم البيضاء، وقام بوصفها بشكل مذهل رغم تواضع الإمكانيات التقنية في تلك الحقبة. وبعد بضع سنوات تمكن عالم آخر روسي يسمى متشنيكوف من كشف وظيفة هذه الكريات ومهمتها في جسم الإنسان، وهي قتل الميكروبات الغريبة التي قد تدخل إلى الدم وتصيب الإنسان بالأمراض، ولكن العالم الروسي ومن خلال التعمق في هذا المجال اكتشف أن هناك وسائل دفاع أخرى تقف وتساعد كريات الدم البيضاء، هي الجسيمات المضادة، وقال في وصفه لهذا الكشف: «إن الجسيمات المضادة يفرزها نوع خاص من أنسجة الجسم نعرف منه الطحال والكبد وبعض الغدد الليمفاوية».
تواصل الزخم العلمي في هذا المجال، وهو مجال الدفاعات عن جسد الإنسان، وقبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية توصل العلماء لحقيقة متفق عليها أن جسد الإنسان يملك وسائل دفاع تقيه من الكثير من الأمراض، ورغم مثل هذه الكشوف في مجال الحماية والمضادات للإنسان، إلا أن مناعة إنسان اليوم ضعيفة بكل ما تعني الكلمة، فالذي حدث هو توسع شركات الدواء في صناعة المضادات التي تحمي الجسد، وظهرت تبعاً لمثل هذا التوسع تحذيرات من كثير من الأطباء من عدم الاعتماد على هذه المضادات وفسح المجال للجسد بأن يعالج نفسه، وسمعنا البعض من تلك التحذيرات التي أوضحت أن الاعتماد على المضادات الصناعية يسبب كسلاً أو بطئاً في استجابة الحماية الطبيعية للإنسان ضد الكثير من الفيروسات، وأن تعوّد الجسم على هذه المضادات يجعلها بلا أي قيمة أو فائدة، وهو ما يعني انكشاف الجسم للأمراض دون أي وقاية.
ولكن الأخطر أنه كلما حدث تطور في صناعة المضادات ظهرت فيروسات أكثر وتملك مناعة من هذه المضادات، لذا نرى ونسمع أن هناك ضحايا بسبب فيروسات كانت متواضعة ولا تذكر لها أي خطورة مثل الإنفلونزا، وأيضاً ظهرت أنواع أخرى من الفيروسات لها خطورة بالغة ولا تنفع معها أي مضادات.. والمفارقة الغريبة أنه اكتشف وجود فيروسات أوقعت ضحايا في بلاد ومدن، بينما لم تكن مضرة في مجتمعات ريفية أو مجتمعات نامية، وهو ما جعل الأعين تتجه نحو طبيعة الحياة للفرد.. دون شك فإن المضادات لها فوائد كبيرة وأدت دوراً بالغاً في حياة البشرية ولكن ترك العنان في صرفها لأي عارض صحي أضعف مناعة الإنسان كثيراً، وهو الخطر الذي يجب أن نتوقف عنده.

Shaima.author@hotmail.com
www.shaimaalmarzooqi.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى