النزعة العسكرية تستنزف موارد أمريكا
فينيان كانينغهام*
تنوء الولايات المتحدة تحت أضخم مديونية في العالم، نتيجة لحروبها التي تبررها أمام موطنيها بذريعة وجود «عالم خطر» يهدد الأمن القومي الأمريكي.
تبين استراتيجية الدفاع الوطني الجديدة التي أعلنها وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس مرة أخرى، أن عقلية الحرب الباردة لا تزال سائدة في واشنطن. وهذا تعبير عن إدمان مدمر للنزعة العسكرية الأمريكية.
وبعد أكثر من ربع قرن على نهاية الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، تظهر واشنطن صفاقة بوسمها روسيا والصين بأنهما «قوتان رجعيتان». غير أن السياسة والخطاب السائدين في واشنطن يظهران أن الولايات المتحدة هي «القوة الرجعية» الحقيقية، حيث تحاول إحياء التوترات الإيديولوجية والعداء مع روسيا والصين.
وفي 19 يناير/ كانون الثاني، صرح وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس بأن مكافحة الإرهاب لم تعد التركيز الأول لسياسة الأمن القومي الأمريكية، قائلا إن «تنافس القوى الكبرى» مع روسيا والصين هو الأولوية الجديدة.
واستراتيجية الدفاع الوطني التي أعلنها ماتيس تعكس مقولات وثيقة «استراتيجية الأمن القومي» التي نشرت في ديسمبر/كانون الأول بعد أن وقعها الرئيس دونالد ترامب. وتصف هذه الوثيقة روسيا والصين بأنهما «قوتان منافستان» تشكلان تهديداً وجودياً لنفوذ أمريكا في العالم.
وقد دانت موسكو وبكين وثيقة استراتيجية الدفاع الوطني هذه باعتبارها تمسكاً بتفكير الحرب الباردة و«إدارة إمبريالية» لعلاقات الولايات المتحدة مع بقية العالم. وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إنه لأمر يؤسف له أن واشنطن «تواصل استخدام مثل مفاهيم واستراتيجيات المجابهة هذه بدلاً من إجراء حوار طبيعي» مع القوى الأخرى.
والواقع الصارخ هو أن البنتاغون لا يزال يسعى لتحميل الاقتصاد الأمريكي مزيداً من أعباء الإنفاق العسكري – الهائل أصلاً. ومن يستمع لماتيس قد يظن أن الجيش الأمريكي يعاني نقص الاستثمارات، الأمر الذي يهدد الأمن القومي. ولكن الحكومة الأمريكية زادت العام الماضي الإنفاق العسكري بواقع 50 مليار دولار، ليسجل رقما قياسيا بلغ 700 مليار دولار في السنة. وحسب معطيات مقارنة للاقتصادي الأمريكي البارز ديفيد ستوكمان، فإن الميزانية العسكرية الأمريكية لم تقترب أبداً يوماً من مستواها الحالي، حتى في عز الحرب الباردة.
والميزانية العسكرية الأمريكية تعادل الآن 14 مرة مثيلتها الروسية و4 مرات مثيلتها الصينية.
ومن أجل تبرير هذا الإنفاق الهائل لدولارات دافعي الضرائب الأمريكيين، يلجأ البنتاغون دائماً إلى تصوير العالم كبيئة خطرة.
وإنه لواقع موثق جيداً أن الاقتصاد الأمريكي يعتمد إلى حد كبير على المجمع العسكري – الصناعي. والإنفاق على الجيش الأمريكي يستهلك أكثر من نصف الموازنة التقديرية السنوية للبلاد.
ولهذا السبب من الحيوي من أجل بقاء الاقتصاد الأمريكي، في ظل النظام الاقتصادي الحالي، أن يتم تصوير العالم دائماً لدافعي الضرائب الأمريكيين، بأنه تهديد للأمن القومي الأمريكي.
ويقول المحلل السياسي الأمريكي البروفيسور راندي مارتن إن اقتصاد أمريكا الذي تحركه الحروب لا يشكل تهديداً للأمن العالمي فحسب، بسبب العداءات الحتمية التي يثيرها، وإنما هو يهدد أيضاً بانهيار المجتمع الأمريكي، نتيجة لهذا التبديد المسرف للموارد.
وتظهر حسابات موثقة لخبراء أن الولايات المتحدة زادت الدين العام بمقدار 6 تريليونات دولار نتيجة للحروب والإنفاق العسكري خلال السنوات ال 17 الأخيرة وحدها. وتمثل «ديون الحرب» هذه نحو ثلث مجموع الدين العام الأمريكي البالغ الآن 19 تريليون دولار – ما يجعل أمريكا الدولة الأكثر مديونية في العالم.
*صحفي وكاتب إيرلندي شمالي، يكتب حول الشؤون الدولية – موقع «إنفورميشن كليرينغ هاوس»