اليمن.. بين وقف الحرب وإيقاف الحل
هاشم عبدالعزيز
بعد أن كانت أقرب إلى المركونة في انتظار ما ستذهب إليه تداعياتها، بدأت الأزمة اليمنية منذ أسابيع، تشهد حراكاً دبلوماسياً لافتاً، وفي المشهد بدت بعض الأطراف الدولية وكذا الأمم المتحدة، كما لو أنها في منافسة سباق لجهة إطلاق المبادرات وإعداد مشاريع قرارات لمجلس الأمن، وتصدرت المشهد الولايات المتحدة بالمواقف التي أطلقها وزير الدفاع ووزير الخارجية حول الأزمة اليمنية، وفرنسا وبريطانيا التي تبدو أنها عازمة على رمي ثقلها في الاتجاه التي تشاركها فيه الأطراف الدولية الأخرى من حيث تسويق هدف هذه ال«صحوة» التي جاءت بعد اكتشافها حجم الكارثة التي أصابت هذا البلد لتصير دعوتها وبإلحاح لوقف الحرب التي خلفت كارثة إنسانية أوصلت ما يقرب من ثلثي السكان إلى حافة المجاعة.
واللافت فيما يجري أن الجميع في شبه إجماع على دعم دور المبعوث الأممي الذي أخفق حتى الآن في إحراز تقدم ملموس لجمود العملية السياسية بعد أن كان سلفه أحرز في هذا الاتجاه خطوات إلى الأمام، ويبدو أن جريفيث، ليس مصاباً بفقدان الحظ أو أنه جاء في غير الزمن المناسب، بل لأنه جاء في زمن تجاذب الأدوار للأطراف الدولية المحكومة بحسابات المصالح الخاصة على أساس التنافر والاستئثار.
من هنا غابت وعود جريفيث، في شأن تقديم مبادرة حل شاملة واقتصرت على الدعوة لمفاوضات في السويد، ولم يبدأ من حيث انتهى سلفه لتدخل العملية السياسية في شأن هذه الأزمة هذه الحلبة السباقية التي تزدحم بكل شيء إلا الإمساك بحلقات الحل الذي يبدأ بإنهاء الانقلاب. والمسألة هنا قد لا تعود إلى فشله في مهمته التي لم تبدأ بعد، بل الأمر يعود إلى ما يشبه تغيير المهمة من مواجهة الحرب من حيث أسبابها وهو الانقلاب الذي أريد من خلاله الإجهاز على الشرعية واستيلاء جماعة متمردة على مقدرات البلاد.
هذا ما يمكن فهمه من خلال الخطاب الذي يتعاطى مع ما يجري بالتركيز على إيقاف الحرب والقفز على الانقلاب بعدم مشروعيته، وما ترتب عليه على أوضاع البلاد وحياة العباد من جهة، ومن جهة أخرى تجاهل مرجعيات الحل المتمثلة في المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، والاكتفاء بذكر قرار مجلس الأمن 2216، ما يعني أن الجهود التي بذلت لمواجهة الأزمة وبرعاية الأمم المتحدة خلال السنوات المنصرمة باتت في خبر كان بالنسبة لما يجري الآن.
في هذا الشأن يمكن القول إن المبادرة الخليجية جاءت بهدف احتواء التنافر السياسي الذي تفجر جراء لعبة خلط الأوراق في التعاطي مع الانتفاضة الشعبية العفوية ضد الأوضاع القاهرة بسبب القمع والظلم وانسداد الأفق أمام الأجيال الصاعدة، وتحول الفساد إلى حالة غير قاصرة على نهب المال العام، وهي، أي المبادرة، أريد لها أن تكون المحطة الانتقالية من حال البؤس والمآسي والانحدار إلى أفق المستقبل الذي يقوم على صون الكرامة والحرية وحقوق الإنسان، وهذه القضايا تكمن في استيعاب مخرجات الحوار الوطني التي رسمت المشهد اليمني المنشود بوضوح بما يتطلب الانتقال من مخرجات ذلك الحوار إلى الأعمال لبناء الدولة التي تبقى الضامن الأساسي لحقوق الإنسان عبر تعاقب الأجيال.
لقد جرت هذه العملية تحت رعاية الأمم المتحدة ودعمها، فما الذي حدث؟ هل لو أن جريفيث لا يعلم بما جرى في هذا الشأن؟ وعلى أي أساس أعلن أنه سيبدأ عمله من حيث انتهى سلفه؟ ألم تجئ المبادرة الخليجية لاهتمام دول الجوار بالوضع اليمني لما يمثله من أهمية لها من حيث الأمن والاستقرار، وبما ينسجم مع ما يقال عن أهمية هذه المنطقة ذات الثروات الهائلة على مصالح وأمن وسلام عالمنا بأسره؟
لقد صار واضحاً أن أولويات المبعوث الأممي هي التوصل إلى صيغة مناسبة لإشراك جماعة الحوثيين في حكومة موحدة، كما عبر عن ذلك في مقابلة مع قناة «سكاي نيوز» مؤخراً، لإنهاء الانقلاب الذي أطاح الدولة وأشاع كل ما هو منعدم من أمن واستقرار.
إن ما يجري قد يذهب إلى إعلان اتفاق في شأن العمليات العسكرية، وهذا سينجم عن الإصرار الذي تمارسه عدة أطراف لا بهدف الولوج في مسار حل الأزمة، إنما ربط مسألة وقف الحرب بإيقاف الحل، وعلى هذه الحالة ستكون اليمن «مؤمنة» في انهيارها ومسدودة الأفق في اتجاه أمنها واستقرارها وازدهارها، وهي المحصلة الملموسة للانقلاب.