انتخابات إيطالية مزعجة
مفتاح شعيب
عادت إلى الاتحاد الأوروبي فوبيا صعود اليمين عشية الانتخابات التشريعية الإيطالية بعد غد الأحد، بسبب التوقّعات التي تشير إلى أن حركة «خمس نجوم» الشعبوية يمكن أن تتصدر النتائج، فتنعش بذلك حظوظ اليمين الذي مني بهزائم انتخابية كبيرة العام الماضي في عدد من الدول، بينها فرنسا وهولندا، ولكنه لا ينوي الاستسلام ويستعد للمعارك المستقبلية طالما هناك صناديق اقتراع تعبّر عن توجهات الرأي العام.
الحالة الإيطالية مختلفة نسبياً عن جوارها، بسبب عدم الاستقرار السياسي الذي تعرفه في تاريخها الحديث، وبسبب النظام السياسي القائم على التحالفات والمحاصصات من النادر أن تستكمل حكومة ولايتها، فالانتخابات المبكرة حاضرة دوماً، ويمكن لفضيحة فساد أو خصام بين حزبين أن يسقط الحكومة والانزلاق في أزمة سياسية. فخلال ربع قرن عانت إيطاليا صراعات عديدة بين الأحزاب، نجم عنها تعديل الدستور في ثلاث مناسبات، آخرها كانت العام الماضي في ذروة استنفار قوى اليسار والوسط لقطع الطريق على اليمين المتطرف لكسب نصاب قانوني يسمح له بالوصول إلى الحكم. ومع ذلك تستمر المخاوف في روما وبروكسل، وبما أن النظام الانتخابي لا يمكّن أي حزب من الفوز بالأغلبية المطلقة، إلا أن تصدّر أحد الأحزاب يسمح له ببناء تحالف من طينته. وأسوأ السيناريوهات المتوقعة في نتائج الانتخابات الجديدة أن تتصدّر حركة «خمس نجوم» بعدد المقاعد، ثم تعقد تحالفاً مع أحزاب تتقاسم معها التوجهات نفسها، مثل «حركة رابطة الشمال»، المعروفة بنزعتها العنصرية وعداوتها للمهاجرين، وكذلك حزب «إخوة إيطاليا» المتطرف. ففي هذه الحالة يمكن أن تتشكل حكومة إيطالية مضادة للاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو، وتطالب بالانسحاب من حلف شمال الأطلسي. ولكن عملياً سيكون هذا السيناريو صعب التحقق، إن لم يكن مستحيلاً، فحركة «خمس نجوم» لا تريد الحكم إلا وحدها من دون أي شريك، وهذا الأمر لا يسمح به الدستور الإيطالي، إضافة إلى أن التيارات الثلاثة، متباينة جداً في بعض القضايا، خصوصاً المتعلقة بنظام البلاد ووحدتها، ف«رابطة الشمال» ذات توجهات انفصالية في مناطق الوسط والشمال، و«إخوة إيطاليا» لا تريد الذهاب بعيداً نحو اليمين، بل تفضل البقاء في منطقة وسطى تقرّبها من نصيب في السلطة.
متابعو الانتخابات الإيطالية يرجّحون أن يكون تيار يمين الوسط الأكثر حظاً بالفوز وتسلّم السلطة. وفرس الرهان في هذا التيار هو حزب «فورزا إيطاليا» بزعامة رئيس الوزراء الأسبق سيلفيو برلسكوني الذي يأمل بقوة في العودة إلى الحكم. وبما أنه ممنوع من تولي مناصب سياسية بموجب حكم قضائي، سيرشح برلسكوني وكيلاً عنه للمراهنة على رئاسة الحكومة إذا نجح في عقد تحالفات مع بعض الأحزاب اليمينية. ومن الأسماء المرجحة بالنسبة إلى برلسكوني، قائد عسكري هو الجنرال ليوناردو جاليتيللي، وإذا تمت الخطة فستكون سابقة في إيطاليا بأن يتولّى عسكري حكم البلاد منذ أكثر من 70 عاماً. ورغم أنه السيناريو الأكثر ترجيحاً، فإن الأرجح أن الانتخابات الإيطالية ستكون مزعجة، ولها آثار داخلية وأوروبية، خصوصاً إذا تصدّر اليمن المتطرف النتائج، وبقي خارج دائرة السلطة.
chouaibmeftah@gmail.com