مقالات عامة

انحسار الموجة السوداء

خيري منصور

حبذا لو تصدر إحصاءات دقيقة عن نوعية ومستوى الكتب الأكثر مبيعاً في موسم معارض الكتاب لهذا العام، فما كان يلاحظ في الأعوام الماضية هو ارتفاع منسوب الكتب المكرّسة لخرافات ومواضيع تستهدف التغريب وتجريف الوعي، وانساق كثير من الناشرين إلى التنافس في نشر كتب من هذا الطراز؛ بحثاً عن الكسب السريع، والحقيقة أن تلك الموجة لم تعد عاتية ورائجة، ويبدو أن القارئ شب عن الطوق الذي أراد فقهاء التغريب إبقاءه أسيراً له، خصوصاً بعدما عصفت بالواقع العربي أحداث فاصلة، وقد تكون فارقة في التاريخ ليس لأنها إيجابية أو حققت أحلاماً مزمنة؛ بل لأنها شهدت اختلاط أوراق، وقدراً من التضليل تحت عناوين جاذبة وواعدة بالحرية!
وبشكل أولي وتقريبي بمقدور المراقب لما يدور في معارض الكتاب من سجالات وما يتم الإقبال عليه من الكتب أن يرصد تغيراً حتى لو كان نسبياً في الذائقة العامة، فالعقل بدأ يسترد دوره ورشده وإن كان ثمن ذلك باهظاً، وقد تشهد الأعوام المقبلة إذا استمرت هذه الوتيرة إقبالاً واسعاً على المؤلفات التي تنحاز إلى العقلانية ولا ترتهن لعناوين مضللة، ومثل هذا التغير غالباً ما يتم بإيقاعات بطيئة إلى حد ما؛ لأن تحرير الوعي من حالة الاستنقاع التي ورطته بها أطروحات مضادة للتاريخ والمستقبل ليس بالأمر السهل، وهنا يكون للنخبة المتحررة من السطو المؤدلج دور ريادي في تسريع تنمية الوعي، والتصدي لكل ما من شأنه أن يكرّس الاغتراب والاستلاب، ومن أجل ذلك يجب ألّا تبقى مهمة النشر متروكة للمبادرات الشخصية والهواجس التجارية التي تحول الكتاب إلى مجرد سلعة!
وما ألحقته الأطروحات الظلامية واللاتاريخية بالناس خلال العقد الأخير على الأقل كانت في أحد أبعادها الضارة النافعة؛ لأنها برهنت ميدانياً على أن السباحة ضد تيار التاريخ والعقلانية لابد أن تنتهي إلى إخفاق فاضح، ومن حق الذين جربوا وصفات من الشعوذة ضاعفت من أمراضهم أن يقلعوا عنها!

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى