بعد الصليب.. الهلال ينزف دماً
كمال بالهادي
العملية الغادرة التي وقعت في مسجد الروضة في سيناء المصرية، كانت وحشية بكل المقاييس، وتعبّر عن حقد دفين تجاه أبناء هذه القرية المصرية النّائية ورغبة في التشفّي تتجاوز كلّ حدود التّصوّر العقلاني، ولكنّ المنفذين هم مجرّد أوغاد سيتكفّل بهم الجيش المصري العظيم لإبادتهم عن بكرة أبيهم، والمشكلة لا تكمن في هؤلاء القتلة، بل في هذا الفكر الذي ينتشر في أوساط الشباب ويدفعهم إلى التحوّل إلى مجرمي حرب.
عندما تمّ تفجير الكنائس في مرّات سابقة، كشف بعض المتهمين الذين تم القبض عليهم، الكثير من الحقائق المرعبة حول شبكة جواسيس الدواعش والفتاوى التي تصدر لاستباحة دماء المصريين، أيّاً كان دينهم. الاعترافات كشفت عن أنّ الإرهابيين يتحرّكون بكل حرّية بين شرق مصر وغربها، ويتوفرون على شبكات نقل لوجستية تمكنهم من إيصال المؤن والسلاح والملابس العسكرية بين الواحات غرباً وسيناء شرقاً، وهم يعترفون أن فتاوى شيوخهم، تحرّضهم على استهداف الكنائس والأقباط باعتبارهم لا يدفعون الجزية، وتحرّضهم على قتل قوات الأمن والجيش، باعتبارهم «طواغيت»، يدافعون عن دولة «كافرة». وفي عملية مسجد الروضة، تمّ إصدار فتوى قبل نحو عام، لقتل مرتادي المسجد بتعلّة انتمائهم إلى إحدى الطرق الصوفية، وبسبب تأييد الجيش المصري في حربه ضدّ جماعة «أنصار بيت المقدس الإرهابية». ويعترف أحد دواعش هذه الجماعة، أنّ أنصار بيت المقدس لا تنظر إلى الكيان الصهيوني كعدو يجب الجهاد ضدّه، بل إنّها تعتبر الجيش المصري عدوّها الأول والشعب المصري الملتحم بجيشه وبدولته هو عدوها أيضاً.
من هذا المنطلق يمكن فهم ما وقع، في إطار حرب شاملة على الدولة المصرية شعباً وجيشاً. وهذه الحرب، تتطلب في مرحلة أولى، معركة استنزاف، لإنهاك الدولة المصرية.
سيناريوهات استنزاف مصر قائمة، ومحور الشرّ المتمثّل في مثلّث دولي يتولّى التجهيز وتقديم السند الإعلامي لهذه الجماعات، ويحتضن قيادات دعت صراحة إلى مواجهة الجيش والتمرّد على الدولة، ما زال ينفّذ استراتيجياته العدائية ضدّ مصر. ولهذا يمكننا القول إنّ مجزرة مسجد الروضة بقدر ما هي عملية غادرة ومؤلمة، بقدر ما ستمثّل نقطة تحوّل تاريخية في طريقة التعامل مع هذه الجماعات والدول التي تدعمها، وأساساً مع المنظومة الفكرية التي تتغذّى عليها هذه المنظمات الإرهابية. لقد تعدّى هؤلاء كل الخطوط الحمر، وعندما يتمّ إهدار الدماء في صلاة الجمعة، وتتمّ عملية إبادة جماعية لأكثر من ثلاثمئة شخص بريء، فذلك يعني أنّ الحرب على مصر قد دخلت مرحلة جديدة، وأنّ على الجيش المصري أن يتحمّل كامل مسؤولياته في إبادة مضادّة لهؤلاء المجرمين.
الإدانات الدولية لا تكفي في هذه الحرب، لأنّ الحرب على الإرهاب تتطلب مسؤوليات دولية حقيقية في تبادل المعلومات وتتبّع حركة المال المشبوه، والأهم الضغط على الدول التي تعدّ معاقل رئيسية لدعم الحركات الإرهابية. فعملية بذلك الحجم تشارك فيها مجموعة مكوّنة من قرابة ثلاثين شخصاً ومزوّدة بأسلحة مختلفة وبعربات مجهّزة، لا يمكن أن تكون مجرّد عملية استعراضية، بل هي عمليّة شديدة الإحكام، تنظيماً وتنسيقاً، ما قد يتجاوز قدرات مجموعات معزولة في الصحراء المصرية، فهذه عملية مخطط لها خارج الحدود وتقف وراءها جهات ودول قدّمت كل أنواع الدعم، في إطار حربها المباشرة على مصر وعلى نظامها السياسي، وعلى جيشها.
لقد فشلت عمليات النيل من وحدة المجتمع المصري عندما تمّ استهداف الأقليّة المسيحية في أكثر من مناسبة، لمّا نزف الصليب، وأرادوا إسكات أجراس الكنائس، لكنّ أوهامهم لم تتحقق، فالمصريون يعرفون أعداءهم جيّداً، وهم ثاروا عليهم في ثورة 30 يونيو/ حزيران، وأنهوا حكمهم. وجريمة مسجد الروضة التي نزف فيها الهلال بعد أن نزف الصليب، سترتدّ ناراً حامية على جماعة أنصار بيت المقدس، ومشتقاتها. فدماء الشهداء الـ305، أنهت وإلى الأبد فكرة ولاية سيناء.
الطرف المستفيد مما يحدث في مصر، لا يحتاج أدلة، فهو الطرف المستفيد في واقع الأمر من خديعة «الربيع العربي»، ولكنّها حرب بالوكالة يتمّ فيها استثمار، قدرات دول وأموالها، لتخريب دولة وللقضاء على مسيرة حياة شعوب. أما المنفذون فهم مجرّد مرتزقة وأعوان مستأجرون من أجل تنفيذ المهمات القذرة، وهل هناك أقذر من قتل مصلين وهم داخل المسجد؟ هل هناك أقذر من تفجير دور العبادة وهدمها فوق رؤوس المصلين؟ هل هناك أقذر من أن تجعل المنبر ينزف دماء، وأن تقتل النفس التي حرّم الله قتلها داخل المسجد؟
belhedi18@gmail.comOriginal Article