بوتين يتوقع سقوط «القطب الواحد»
فينيان كانينجهام*
قبل نحو 11 سنة، ألقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كلمة شهيرة في ميونيخ حول الأمن العالمي، أكد فيها استحالة ديمومة نظام عالمي قائم على أساس «قطب واحد». والآن، أخذت تتبين صحة تحليل بوتين.
في 10 فبراير/شباط 2007، ألقى بوتين كلمة أمام جمهور دولي من سياسيين ومفكرين وباحثين في مؤتمر الأمن السنوي في ميونيخ. وبدأ الرئيس الروسي كلمته بالقول إنه سيتحدث عن العلاقات الدولية «بصراحة وليس بتعابير دبلوماسية فارغة». وبالفعل، أكد بوتين في خطابه قوله هذا: فبوضوح وصراحة ومجاهرة، عرى غطرسة قوة القطب الواحد الأمريكي.
وفي كلمته، استنكر بوتين «التطلعات إلى الهيمنة العالمية» باعتبارها خطراً على الأمن العالمي، وقال: «إننا نشهد ازدراء أكبر فأكبر للمبادئ الأساسية للقانون الدولي». وقال في فقرة لاحقة: «هناك دولة واحدة، هي طبعاً الولايات المتحدة، تجاوزت حدودها الوطنية بكل طريقة ممكنة».
ولكن بوتين توقع ما بدأت بوادره تتحقق الآن، وهو أن الغطرسة الأمريكية الملازمة لهيمنة القطب الواحد ستؤدي في النهاية إلى زوال القوة ذاتها التي سعت إلى الهيمنة العالمية. وقال بوتين إن عالم قطب واحد هو «عالم يوجد فيه متفوق واحد، سيد واحد. ولكن في المحصلة النهائية، هذا وبال ليس فقط على جميع الذين هم داخل هذا النظام العالمي، وإنما أيضاً على القوة المهيمنة ذاتها، لأن هذه القوة تدمر ذاتها من الداخل».
وبعد نحو 11 سنة من هذا التحليل، قلائل فقط اليوم يشكون في أن المكانة العالمية للولايات المتحدة أخذت تهوي بشكل مثير – تماماً كما نبه بوتين إلى ذلك في 2007. وأحدث مثال على هذا الانحدار كان تنمر وتهديد الولايات المتحدة بشكل فظ وغير أخلاقي في الأمم المتحدة في ديسمبر/كانون الأول الفائت، عندما هددت العالم كله بالعقاب في ما يتعلق بقرارها غير الحكيم بالاعتراف بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل».
ومن بين المظاهر الأخرى لتهاوي القيادة الأمريكية العالمية هو التهديد الطائش بحرب مدمرة على كوريا الشمالية في ما يتعلق ببرنامجها النووي والصاروخي. وهذا النزوع لاستخدام القوة العسكرية من دون أي اعتبار للدبلوماسية والقانون الدولي يجعل جميع دول العالم تشعر بالهلع والفزع.
مثال آخر على انهيار الزعامة الأمريكية العالمية هو الطريقة الفظة التي انسحبت بها الولايات المتحدة من اتفاق باريس العالمي (2015) حول المناخ، وهو الاتفاق الذي أقره العالم من أجل مكافحة التغير المناخي المدمر. واعتبرت واشنطن هذا الاتفاق «مؤامرة لتقويض الاقتصاد الأمريكي». وكيف يمكن للعالم أن يأخذ على محمل الجد قوة عالمية تتحدث بهذا الأسلوب مع بقية الدول؟.
وتحذير بوتين من أن القوة الأمريكية التي سعت ولا تزال لأن تكون القطب العالمي الواحد «سوف تدمر ذاتها» مصيب تماماً. ذلك أنه عندما تسعى قوة إلى مثل هذه الهيمنة، فلا بد بالضرورة من أن تتنكر لحكم القانون ومبدأ الديمقراطية باعتبارهما تقييداً مزعجاً لهيمنتها.
والولايات المتحدة أخذت تسعى إلى هذه الهيمنة منذ نهاية الحرب الباردة قبل أكثر من 25 سنة. وقال بوتين حول هذه النظرة الأمريكية إلى العالم: «أعتبر أن نموذج القطب الواحد ليس غير مقبول فحسب، بل هو أيضاً مستحيل في عالم اليوم».
وهذه الاستحالة تنبع من النزوع الحتمي إلى التصرف على المسرح الدولي من طرف واحد، ما يشكل رفضاً لمبدأ تساوي الجميع أمام القانون. وقوة مهيمنة أحادية القطب ستعتبر نفسها، بالضرورة، فوق القانون. ومثل هذا الموقف يؤدي إلى البغي وإساءة استخدام القوة.
ومنذ نهاية الحرب الباردة، ومعها الاتحاد السوفييتي، أدى اختلال ميزان القوى العالمي إلى إغراق العالم في حالة حروب ونزاعات دائمة، وذلك بسبب نزوع الولايات المتحدة إلى التصرف من طرف واحد على أساس أن «القوة هي الحق».
وفي الواقع، أدى هذا الاختلال في ميزان القوى العالمي إلى سقوط الدبلوماسية، والقانون الدولي، والحوار والإجماع.
لقد كان بوتين محقاً عندما تحدث بصراحة في خطابه عام 2007، بدلاً من استخدام «تعابير دبلوماسية فارغة».
*إعلامي وكاتب إيرلندي يكتب حول الشؤون الدولية – موقع «استراتيجيك كلتشر»