تاريخ مديد للإرهاب «الإسرائيلي»
رمزي بارود*
العنف «الإسرائيلي» الذي يشهده جيلنا اليوم لم يأت من العدم، بل هو استمرار إرث من عنف المنظمات اليهودية التي أرهبت وشردت الشعب الفلسطيني، وهي المنظمات التي أحدثت النكبة قبل أن يصبح زعماؤها قادة لجيش وحكومات «إسرائيل».
لا يمر يوم من دون أن يدلي سياسي أو مثقف «إسرائيلي» بارز بتصريح شائن ضد الفلسطينيين. والعديد من هذه التصريحات لا يثير اهتماماً يذكر، أو يثير السخط الذي يستحقه عبر العالم.
ومن أحدث مثل هذه التصريحات دعوة وزير الزراعة «الإسرائيلي» أوري أريئيل، إلى قتل وجرح المزيد من الفلسطينيين في قطاع غزة، إذ قال: «ما فائدة أسلحتنا التي نطلق نيرانها إذا كانت تثير أعمدة من الدخان والنار ولكن من دون أن يصاب أحد؟ لقد آن الأوان لكي يكون هناك إضافة إلى الدخان والنار، قتلى ومصابون أيضاً».
وجاءت دعوة أريئيل لقتل مزيد من الفلسطينيين في أعقاب تصريحات مخزية لمسؤولين «إسرائيليين» بشأن الفتاة الفلسطينية القاصر عهد التميمي التي اعتقلت في مداهمة عنيفة قام بها جنود «إسرائيليون» لمنزلها العائلي في قرية النبي صالح في الضفة الغربية المحتلة.
وعلى سبيل المثال، دعا وزير التعليم «الإسرائيلي» نفتالي بينيت، المعروف بمواقفه السياسية المتطرفة، إلى أن تمضي عهد وفتيات فلسطينيات أخريات «بقية حياتهن في السجن».
أما الصحفي «الإسرائيلي» البارز بن كسبيت فقد طالب بعقوبات أقسى بكثير وبارتكاب سلوكيات غير مشروعة وغير أخلاقية ، مع عهد والفتيات من أمثالها في السجن، قائلاً: «في حالة هؤلاء الفتيات، يجب أن نجعلهن يدفعن الثمن في فرصة أخرى – في الظلمة ومن دون شهود وكاميرات».
غير أن عقلية العنف هذه المقززة للنفس ليست بشيء جديد. فهي استمرار لعقلية قديمة انتشرت على نطاق واسع، وأفرزها تاريخ طويل من العنف.
وتصريحات أريئيل، وبينيت وكسبيت، ليست وليدة لحظة غضب، وإنما هي تعبير عن سياسات فعلية تنفذ منذ أكثر من 70 سنة. وبالفعل، فإن القتل والاغتصاب والسجن مدى الحياة هي سمات ثابتة ميزت «إسرائيل» منذ بدايتها. وهذا الإرث من العنف مستمر اليوم من خلال ما وصفه المؤرخ «الإسرائيلي» إيلان بابيه ب«الإبادة الزاحفة».
وخلال تاريخ هذا الإرث الطويل، لم يتغير شيء يذكر، باستثناء الأسماء والرتب. إذ إن العصابات اليهودية التي نظمت هذه الإبادة للفلسطينيين منذ ما قبل إقامة «إسرائيل» في 1948 اندمجت معاً لتشكل «الجيش «الإسرائيلي»، في حين أن قادة تلك العصابات أصبحوا قادة ل،«دولة «إسرائيل».
ونشوء «إسرائيل» بالعنف في 1947-1948 كان تتويجاً لخطاب عنف سبقها بسنين عدة. وخلال نقاش، قال لي المؤرخ الفلسطيني الخبير في شؤون النكبة أحمد الحاج (85 سنة): «أسلوب عزل ومهاجمة قرى وبلدات فلسطينية وإعدام سكانها في مجازر رهيبة كان استراتيجية استخدمتها العصابات اليهودية لترهيب سكان القرى والبلدات المجاورة لدفعهم إلى الفرار».
وكان الحاج قد شهد عندما كان في الخامسة عشرة من عمره مجزرة قريته بيت دراس على أيدي عصابات «الهاجاناه» اليهودية. وقال خلال نقاشنا: «مجزرة دير ياسين كانت أول مثال على هذا التقتيل الغاشم، ونموذجاً تكرر في أنحاء عدة من فلسطين».
وفي ذلك الوقت، كانت عصابات يهودية متعددة نظمت التطهير العرقي في فلسطين. وأبرز تلك العصابات، «الهاجاناه»، التي كانت تابعة للوكالة اليهودية، التي كانت تعمل كشبه حكومة تحت رعاية حكومة الانتداب البريطاني التي خدمت «الهاجاناه» في جيشها.
ومن أبرز تلك العصابات اليهودية كانت «منظمة الإرجون» التي تزعمها مناحيم بيجنج الذي أصبح في ما بعد رئيس وزراء «إسرائيل». وهذه العصابة هي التي نفذت مجزرة دير ياسين.
ومن بين الإرهابيين الآخرين الذين أصبحوا سياسيين وقادة لحكومة وجيش «إسرائيل» كان موشي دايان، وإسحق رابين، وأرييل شارون، ورافائيل إيتان، وإسحق شامير. وكل من هؤلاء الزعماء كان له تاريخ من العنف وإراقة الدماء.
وهكذا نرى أنه عندما يدعو وزراء الحكومة «الإسرائيلية» اليوم، من أمثال أريئيل وبينيت إلى عنف منظم ضد الفلسطينيين، فإنما هم ببساطة يواصلون الإرث الدموي الذي تركه كل قيادي «إسرائيلي» في الماضي. وهذه هي العقلية ذاتها التي تواصل اليوم توجيه الحكومات «الإسرائيلية» في علاقتها مع الفلسطينيين، بل في الواقع مع جميع الدول المجاورة.
*كاتب وصحفي واستشاري إعلامي أمريكي فلسطيني – موقع «كاونتر بانش»