قضايا ودراسات

تجنب نقطة الصفر

شيماء المرزوقي

توجد في عالمنا ثنائية لجوانب متعددة من الحياة، مثل الأرض والسماء، والجبل والسهل، وأكثر تلك الثنائيات وضوحاً هما الخير والشر.
لكنني اليوم أتوقف عند ثنائية ماثلة في واقعنا، وهي ضاربة العمق في الماضي وأيضاً تتوجه بسرعة نحو المستقبل. وستجدها في مختلف الحقب الزمنية وفي كل حضارة ومجتمع بشري ينمو وينشأ، إنها ثنائية الغني والفقير.
إرث إنساني بالغ وعظيم تم تدوينه عن هذه الثنائية وما تحمله من تناقضات وتباعد بينهما، ومنها تفرعت طقوس وعلوم مختلفة، اشتغل الفلاسفة مطولاً لتفكيك هاتين الكلمتين، لكن الواقع ينبئ بما هو أعظم، لأن نماذج الفقر وتعدد أنواعه ماثلة وواضحة ويمكن للعين رصدها وملاحظتها، والحال نفسه ينطبق على الغنى. وفي المجمل فإنه من الصعوبة القضاء على الفقر وهناك صعوبات حتى في الحد منه في بعض المجتمعات، وبالمثل من الصعوبة جعل الناس جميعاً أثرياء أو جعل مجتمع ما جميع أفراده أغنياء.
من أهم مشاكل الفقر والغنى، أن لهما تأثيراً بالغاً في تطور وتقدم الفرد والمجتمع، فعندما تتسع الفجوة وتنمو أعداد الفقراء، فمن الممكن أن نلاحظ هبوط في المستوى المعرفي والعلمي في تلك المجتمعات، والحال نفسه عند تزايد الثراء وتكاثر أعداد الأغنياء، حيث يعتقد بعضهم أن الإنتاجية ستنخفض بسبب التكاسل والبطء، فما قد يراه بعضهم نعمة هو بمثابة نقمة على المجتمع بأسره، فعندما تتزايد الثروات تقل الإنتاجية ويقل الابتكار، وكل ما يحدث هو تكرار للعمليات التي حققت الربح والمكسب، دون أي تعديل أو تغيير أو تطوير. والحال نفسه مع الفقر، فكلما تصاعد انخفض المستوى التعليمي والمعرفي وتزايد الجهل وانتشر.
بعضهم قد يستغرب مقارنة الفقر بالغنى، ولكن من يقوم بجمع نتيجة وفعل وأثر هذين المتناقضين، أو ما قد يعتقد أنهما متناقضان،سيعي أن واقع الفقر والغنى، واحد في السلبية التي يخلفانها. وخير الأمور الوسط، وكما هو معروف فإن الكثير من علماء العلوم الاجتماعية يؤكدون دوماً على أهمية الطبقة الوسطى في أي مجتمع لأنها الطبقة العاملة والمنتجة، ولأنها تتمتع بالاستقرار المالي فهي ليست فقيرة، ولكن لديها الطموح لتصبح غنية. والنقطة الجديرة بالتمعن والفهم، وعلى المستوى الفردي، أنها ليست مشكلة كونك فقيراً، بل المشكلة في ركونك واستسلامك لهذا الوضع. اسعَ لتكون ثرياً، وإذا تحقق ذلك تجنب التكاسل حتى لا تعود لنقطة الصفر.

Shaima.author@hotmail.com
www.shaimaalmarzooqi.com

زر الذهاب إلى الأعلى