غير مصنفة

تركيا والموقف من القدس

محمد نورالدين

تحوّلت القدس إلى نقطة تقاطع كل الدول الإسلامية ومختلف مكونات المجتمعات العربية من مسلمين ومسيحيين وعلى المستويين الرسمي والشعبي.
هذه القدس عزيزة على كل مسلم ومسيحي وعربي. ومع أن العمل الجدي من أجل تحريرها وحماية هويتها يتفاوت من جهة لأخرى لكنها تبقى البوصلة التي لا يجرؤ أحد على أن يتخلى عنها نهائياً. وإذا كان الفلسطينيون هم المعنيين الأولين، ومن ثم العرب فالمسلمون فإن تحميل المسؤوليات وتوزيع الاتهامات لا يجدي.
لكن ما يلفت الانتباه أن رفع سقف المتاجرة بالقضية الفلسطينية عموماً والقدس خصوصاً بات بضاعة موسمية لم يعد يخجل من وراءه في الإفصاح عنه علناً.
والمناسبة هنا ليست للتشفي ولكن تعرّض المجتمعات العربية والمسلمة لخيبة أمل كبيرة بعد وعدها بأوهام وأحلام استغلالية سيكون أخطر من التعامل مع قضية القدس بواقعية وخارج أي توظيف شخصي أو انتخابي أو حسابات تمت بصلة بكل شيء ما عدا قضية القدس.
يتأسف وزير خارجية تركيا مولود تشاوش أوغلو من «ردة الفعل العربية الضعيفة» على قرار دونالد ترامب اعتبار القدس عاصمة للكيان العبري. كما لو أنه إذا تركت قضية القدس لتركيا لكانت النتائج أكثر من رائعة.
لقد أمل المسلمون ومنهم العرب أن تغير تركيا مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2002 من سياسات تركيا «الإسرائيلية» التي بدأت في العام 1949 مع اعترافها بقيام «دولة إسرائيل» قبل ذلك بعام. واستمرت تركيا حليفة استراتيجية لـ«إسرائيل» على امتداد العقود اللاحقة عسكرياً وأمنياً واقتصادياً وسياسياً.
لكن شيئاً لم يتغير مع سلطة حزب العدالة والتنمية وكانت أبرز خطوة من جانبها دعوة الحزب وكان رجب طيب أردوغان زعيماً له ورئيساً للحكومة، الرئيس «الإسرائيلي» شمعون بيريز لإلقاء كلمة هي الأولى لمسؤول «إسرائيلي» رفيع أمام برلمان دولة مسلمة هي تركيا.
ورغم التوتر بين تركيا و«إسرائيل» بسبب حادثة سفينة مرمرة لكن البلدين بادرا إلى تطبيع العلاقات بينهما في 28 يونيو/حزيران 2016 وفيه تخلت تركيا عن مطلب رفع الحصار عن غزة لتكون الاتفاقية خاصة بالمصالح الثنائية ولا علاقة لها بفلسطين رغم أن التوتر كانت ذريعته التركية فلسطين والحصار على غزة.
بعد قرار ترامب عن القدس كان خطاب أردوغان عالياً جداً في الدفاع عن القدس وعن فلسطين. لكن معظم المراقبين يدركون أن هذه اللهجة الحادة كانت تصوب إلى أكثر من هدف أولها الضغط على ترامب لتغيير موقفه من نظام أردوغان نفسه بعد محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2015 ومن دعم واشنطن بالسلاح للأكراد في سوريا. كذلك يريد تجميع أوراق في المنافسة مع بعض الدول العربية على زعامة العالم الإسلامي.
لقد اعتبر أردوغان القدس خطاً أحمر. لكن عنده سفارة «إسرائيلية» وقنصلية وعلاقات اقتصادية وأمنية واسعة معها وله في «إسرائيل» سفارة وقنصلية. فلماذا لا يلجأ إلى قطع العلاقات المختلفة ويغلق السفارات والقنصليات؟ولماذا لا يصعّد بوجه أمريكا؟.
أكثر من ذلك فإن فضيحتين من العيار الثقيل قد حصلتا مؤخراً. واحدة أن اتفاقية التطبيع مع «إسرائيل» في العام 2016 تشير في نهايتها إلى أن الاتفاقية أبرمت في أنقرة والقدس. وإذا كانت أنقرة هي عاصمة تركيا فلماذا تقبل أنقرة أن تكون القدس هي عاصمة «إسرائيل»؟.
حادثة ثانية وهي أن برنامج مسابقات تلفزيونياً قد طرح سؤالاً عن الدولة التي عاصمتها القدس وكان الخيار بين سويسرا و«إسرائيل» والجواب المقرر في البرنامج الذي عرض يوم السبت الماضي كان «إسرائيل» . والأنكى أن محطة التلفزيون هي المحطة الرسمية والتي يديرها بشكل كامل حزب العدالة والتنمية. أليس مكان توقيع اتفاقية التطبيع كما برنامج الأسئلة نموذجين صارخين على الاعتراف ب«إسرائيل» عاصمة للدولة الغاصبة؟. وهل بعد هذا يصعب على الناس العاديين تمييز المخلص من المزيف في مسألة الدفاع عن القدس وفلسطين؟.

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى