تسريع نقل السفارة
يونس السيد
بررت الإدارة الأمريكية قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لـ «إسرائيل» ونقل السفارة الأمريكية من «تل أبيب» إليها، بأنه جاء للوفاء بوعد انتخابي قطعه ترامب إبان حملته الانتخابية، ولكن بماذا تبرر إدارة ترامب قرار تسريع نقل السفارة وتحديد موعد لذلك يتزامن مع ذكرى النكبة الفلسطينية في منتصف مايو/ أيار المقبل؟
ومع أن ترامب لم يف بالكثير من وعوده الانتخابية، إلا أن قراره بشأن القدس كان ببساطة يتجاوز مسألة الوعود الانتخابية إلى ترجمة معتقدات وأيديولوجيا اليمين الأمريكي المتطرف بعد الوصول إلى السلطة، وكان هو الأكثر خطورة ومجازفة من بين كل الوعود التي قطعها ترامب، لعلاقته بصراع تاريخي سيظل هو منبع الاضطراب أو أساس الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والعالم بأسره.
ومهما قيل من تبريرات تتعلق بالمصالح وضغوط اللوبيات اليهودية في الولايات المتحدة، فإن الدولة الأعظم في العالم يفترض أن تحسب مصالحها جيداً في المنطقة والعالم، رغم الانقسام والتشرذم الفلسطيني والعربي والأوضاع الكارثية المتفجرة في الإقليم.
في كل الأحوال، عندما اتخذ القرار، قيل وقتها إن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس يحتاج إلى ست سنوات، وذكر لاحقاً أنه يجري البحث عن قطعة أرض خالية بمساحة 25 دونماً، الأمر الذي لم يكن متوفراً في المدينة، بحسب سلطات الاحتلال، ما دفع الإدارة الأمريكية إلى انتهاج مسار آخر، وهو نقل السفارة مؤقتاً إلى مقر القنصلية الأمريكية الواقع جنوبي القدس المحتلة، ويفترض أن يصل خلال أيام فريق أمريكي يتضمّن محامين وموظفين لوجستيين ودبلوماسيين ومهندسين، ممن سيقومون بوضع أساسات عملية الانتقال، وفقاً لما ذكرته شبكة «حداشوت» الإخبارية «الإسرائيلية».
وهنا يكمن جوهر الموضوع، فالإصرار الأمريكي على تسريع عملية النقل حتى لو كان مؤقتاً، ريثما يتم العثور على مكان دائم، يكشف، في الحقيقة، عن إمعان متعمّد في إيذاء الفلسطينيين وتأجيج مشاعر الغضب لديهم، بالتزامن مع ذكرى يوم نكبتهم والاحتفال على الجانب الآخر بذكرى إقامة «إسرائيل» على أرضهم، وتعميق الصدمة لديهم من خلال دفعهم للإحساس بضياع القدس والأقصى والمقدسات، بقدر ما يعني ذلك مراكمة الضغوط على الفلسطينيين ودفعهم للقبول ب «صفقة القرن» والخطط الأمريكية للتسوية، من دون أن يكون لهم حول ولا قوة، وبقدر ما يعني أيضاً تجاهلاً لمكانة العرب والمسلمين في الدوائر الأمريكية.
لكن ما لم تحسبه الإدارة الأمريكية جيداً هو أنها تؤسس لمزيد من العنف وإطالة أمد الصراع، بدلاً من حلّه، وأن الوضع الفلسطيني والعربي لن يبقى على حاله، وأن النار ستظل مشتعلة تحت الرماد، ولو إلى حين.
younis898@yahoo.com