تصدير القضية الفلسطينية للجوار العربي

حافظ البرغوثي
عاد الحديث عن سيناء كبديل للدولة الفلسطينية، بالتزامن مع تهديدات من الرئيس الأمريكي للفلسطينيين بحجب المساعدات إذا لم ينصاعوا لرغبته في التنازلات عن القدس وغيرها، حيث تحدثت مواقع وتسريبات مريبة عن مشروع لإقامة دولة فلسطينية في غزة تتمدد في سيناء، وهو مشروع قديم يعود إلى الخمسينات، وكان يهدف إلى توطين اللاجئين الفلسطينيين في سيناء. وقد وأدت الثورة المصرية بقيادة عبدالناصر هذا المشروع الذي يهدف لتصفية قضية اللاجئين، وطوى النسيان بعد ذلك هذا المشروع. وأعاد «الإسرائيليون» طرحه على السادات الذي رفضه بشكل مطلق.
ظل المشروع حياً في الذهن «الإسرائيلي» حتى نهاية الفترة الانتقالية من اتفاق أوسلو، وتوجه شمعون بيريز إلى غزة للقاء ياسر عرفات واستقبله آنذاك الطيب عبد الرحيم الذي قال إنها المرة الأولى التي يلتقي فيها مسؤول «إسرائيلي» بأمر من عرفات. وفي السيارة التي أقلتهما إلى مقر عرفات في المنتدى في غزة، لاحظ عبد الرحيم أن بيريز يتأمل البنايات والأبراج التي ظهرت في غزة بعد قيام السلطة وكان يردد «ستكون دولة مزدهرة في غزة».
فهم عبد الرحيم ما يعنيه بيريز، وسارع إلى عرفات ليقول له إن هذا الرجل قادم ليعرض علينا دولة في غزة فقط، فقال أبو عمار «سيبوا لي» بالطبع رفض عرفات الفكرة.
المخطط الاستراتيجي «الإسرائيلي» جيورا أيلاند الذي كان يتولى رئاسة مجلس الأمن القومي قدم اقتراحاً جديداً قبل أيام يقوم على الاعتراف «بدولة غزة» تحت حكم حماس، وكان أيلاند طرح في السابق مشروعاً أوسع وهو إقامة دولة فلسطينية في غزة مع إضافة مساحة مضاعفة في سيناء مقابل أن تعطي «إسرائيل» لمصر مساحة مساوية في جنوب النقب. ورفض الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك هذا العرض بالمطلق مثل سلفه السادات رغم أن الخطة «الإسرائيلية» مرفقة ب12 مليار دولار لمصر، لكن مبارك عندما عرضها عليه المبعوث الأمريكي دينيس روس رفضها بشدة أيضاً. وأعيد طرحها مجدداً مرفقة بعشرين مليار دولار في عهد محمد مرسي الذي وافق عليها باعتبار أن «جماعة الإخوان» لا تؤمن بالحدود والأوطان. وفي ذلك الوقت حمل قادة حماس مشروعاً مفصلاً إلى مرسي لمنطقة تجارية حرة بين غزة والعريش تتمدد داخل مصر وفقاً للحاجة، بمعنى أن المشروع تبنته حماس أيضاً وأعادت طرحه كمشروع تجاري مشترك وليس كمشروع سياسي للتمويه. وعرض مرسي المشروع على الرئيس الفلسطيني عباس الذي رفضه بشدة في حينه.
مؤخراً نقلت عن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مواقف علنية وغير علنية عن أنه لن يسمح لأي كائن بالتنازل عن أرض مصرية، بل قال إن مشروع سايكس بيكو الجديد ما زال قائماً لتفتيت دول عربية، وإن مصر واعية لهذا وتقف له بالمرصاد، وأنه لن يسمح لأي فاسد بالوصول إلى كرسي الحكم حتى لا يتنازل عن أرض مصرية.
إعادة المخطط الاستراتيجي «الإسرائيلي» أيلاند لفكرة إقامة دولة في غزة لم يلحقها بمشروعه القديم أي توسيعها في سيناء، لكن يفهم من مقالة كتبها حول الموضوع أن «دولة حماس» في غزة كأمر واقع يمكن توسيعها لاحقا، طالما أن الفكرة وردت في كواليس البيت الأبيض على لسان المستشار الإنجيلي المتعصب السابق بانون في كتاب «غضب ونار في البيت الأبيض» حيث قال «سنعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل ويمكن إلحاق غزة بمصر والضفة بالأردن ودعهم يغرقون في الموضوع»، وكل هذا بموافقة الرئيس ترامب كما ورد في الكتاب. فالأصل في التفكير الأمريكي «الإسرائيلي» هو تصدير القضية الفلسطينية إلى الجوار العربي بعد أن تقتطع «إسرائيل» المساحات التي تريدها طبقاً لخطة الانسحاب الأحادي الذي اقترحه آرييل شارون في غزة ولاحقاً أراد تنفيذه في الضفة، لكنه ذهب في غيبوبة ومات فيها، وسيموت مشروع ترامب أيضاً لأن القضية الفلسطينية لا تحل أحادياً ولو كانت هناك قوة عظمى تتآمر في ذلك.
ولعل الرئيس الأمريكي في تصريحاته في دافوس هدد بوقف المساعدات للشعب الفلسطيني إذا واصلت السلطة مقاطعة مبادرته المجهولة، وكأنه هنا في صفقة عقارية ولسان حاله يقول لا مال من دون بيع القدس والمقدسات والقضية ككل. وهي سابقة خطيرة في السياسة الدولية .
hafezbargo@hotmail.com