تنوع أم عولمة؟
صفية الشحي
لم تعد العولمة فكرة جذابة ولا حقيقية بالنسبة لكثير من الشعوب، فمع مرور الزمن قوبل التطبيق للفكرة بالكثير من العزلة والتشرذم في مواجهة مد قد يعتقد بأنه شفاف وإنساني للوهلة الأولى، إلا أن الزمن كشف ستر المحاولة التي يقودها قطب واحد يحلم بطريقة أحادية لأسباب بتنا لا نجهلها، وفي الوقت الذي تسارع فيه الوسائط الإعلامية لتعزيز موقف العولمة من المجتمعات وقضاياها المختلفة، يحصد الفرد نتائج وخيمة على وعيه بذاته وبالآخر، فهو يكاد يكون حائراً بين عسل التجربة وسم النيات.
ينظر للعولمة باعتبارها عملية متعددة الأبعاد والاتجاهات شاملة للتدفقات المتسارعة لرؤوس الأموال والسلع والمعلومات والأفكار والمعتقدات والبشر، وهي تتم وفقاً لمحاور متغيرة باستمرار، لكن هل يغذي ذلك الانتماءات الضاربة في العمق أم أنه يضيف مزيداً من التعقيد إلى حقيقة الهوية؟ هل تمد العملية جسوراً بين الثقافات في الوقت الذي تقطع فيه جذوراً بين الظواهر الثقافية المختلفة ومواطنها الأم؟
وما هو موقف الوسيط الإعلامي من النشوء الجديد لأشكال مختلفة من التنوع الثقافي والممارسات والقيم معززة بفضاء سائل من الصلات؟
إن أول دائرة يجب أن يخرج الإعلام نفسه منها هي دائرة الثابت، إذ إن الظاهرة الثقافية ليست كياناً متصلباً بل هي كائن يولد وينمو ويتطور ويتغير بالضرورة، كما أنه يجب أن يلفظ تلك الأفكار التي عفا عليها الزمن كفكرة الصدام التي صدَّرها صموئيل هنتنغتون في كتابة الشهير «صدام الحضارات» مفترضاً وجود انتماء وحيد لا انتماءات متعددة بين المجتمعات البشرية.
يجب أن يتعلم الإعلام بكل ما تحويه منظومته من وسائل وأدوات إزالة عقبات الفوارق لا كمجرد قناة ناقلة لرجع الصدى، بل كأحد مفاتيح الاعتراف بالآخر وخصائصه واختلافاته واحترامها، وقبل ذلك الاعتراف بالاختلافات في المجتمع الذي يعبر عنه نفسه.
مع تطور مفهوم «القرية العالمية» ونمو فكرة العولمة وامتدادها عبر البسيطة، نقف متأملين للمشهد الإعلامي الآخذ بالتغيير أيضاً، إذ إن تحوله لصناعة قائمة بحد ذاتها تساهم بما قيمته ٧٪ من الناتج العالمي حسب دراسة لليونيسكو، يكسب تساؤلاتنا مشروعية أكبر حول الصراع الكامن داخل المشهد ذاته بين القلة النافذة، والقطاع المحلي والوطني الذي يحاول جاهداً الخروج من النمطية، في زمن النقل الآني والمباشر و «الوسيط في الجيب» – الهواتف الذكية – إلا أنني أميل للنظر بإيجابية وأنا أتابع تحولات مثيرة للانتباه في النماذج المعاصرة المدفوعة بفكر الشباب الجديد، من خلال مشاريع مبشرة بخير تستفيد من أدوات تقنيات البث الحديثة عبر الشبكة في صناعة محتوى قد يكون قادراً على تجاوز ظاهرة «التنوع الزائف» التي شكلتها العولمة إلى ما هو أكثر توازناً وثباتاً في جسد التنوع الثقافي.
إن الأوطان الخالدة هي تلك التي تؤمن بأن المستقبل ينسج في عقول المفكرين والمبتكرين
كيف يحتضن الإعلام قيمة التنوع الحقيقية؟