تهويد الحرم الإبراهيمي
يونس السيد
ما ينطبق على القدس بمقدساتها الدينية المسيحية والإسلامية، ينطبق على الخليل والحرم الإبراهيمي، وعلى كل الأراضي الفلسطينية المحتلة، بعدما أصبح قطار الاستيطان والتهويد يسير بشكل متسارع دون أن يتمكن أحد من إيقافه، مستفيداً من الدعم اللامحدود والانحياز الأمريكي ل«إسرائيل» والظروف الإقليمية والدولية الراهنة التي دفعت بالقضية الفلسطينية إلى آخر سلم الأولويات.
ما يحدث في الحرم الإبراهيمي في الخليل، هو العنوان الأبرز للتحولات الناجمة عن اختلال التوازن في المنطقة لمصلحة «إسرائيل» وعصابات المستوطنين، الذين لم يترددوا في استغلال اللحظة الراهنة للاستيلاء على الحرم الإبراهيمي وتهويده بالكامل، فقاموا بنصب خيام ضخمة في ساحة ومحيط الحرم من جهة ملعب الإبراهيمية تمهيداً لإقامة بؤرة استيطانية جديدة وفرض السيطرة الكاملة على المدينة القديمة وتهجير أصحابها الشرعيين ومنع الفلسطينيين من دخول الحرم على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي بأسره.
ولعل الجميع يتذكرون كيف قام أحد زعماء الاستيطان، هو باروخ جولدنشتاين بارتكاب مجزرته الوحشية عام 1994 داخل الحرم بينما كان المصلون يؤدون صلاة الفجر، وهي المجزرة التي ذهب ضحيتها عشرات الفلسطينيين، وانتهت تداعياتها بتقسيمه مكانياً وزمانياً، أي تم تخصيص جزء خاص من المسجد للمستوطنين، وتحديد أوقات معينة لدخول المصلين الفلسطينيين، وأصبح الاحتلال ومستوطنوه هم من يتحكمون في الوصول إليه، إضافة إلى منع الأذان، وإغلاقه وقتما وكيفما يشاء هؤلاء في وجه الفلسطينيين، بذريعة المناسبات الدينية الخاصة بهم.
هذا التطور الخطير ما كان ليحدث لولا وجود موافقة أمريكية، خصوصاً بعد قرارات ترامب، لإطلاق العنان للزحف الاستيطاني وعمليات التهويد بهدف معاقبة الفلسطينيين، وتركيعهم وإجبارهم على قبول «صفقة القرن»، أي تصفية قضيتهم بأنفسهم.
ما يحدث في القدس والخليل وثيق الصلة إلى حد الترابط العضوي في المعركة ضد الاحتلال وتهويد المقدسات الدينية، فقد جرت محاولات كثيرة لتقسيم المسجد الأقصى زمانياً ومكانياً أسوة بما حدث في الحرم الإبراهيمي، وما الاقتحامات اليومية لقطعان المستوطنين لباحات المسجد الأقصى، ومعركة كاميرات المراقبة في نهاية العام الماضي إلا جزء من خطة السيطرة والتهويد الكامل للمقدسات الدينية. والأكثر خطورة أن ما يحدث يؤسس لإشعال حرب دينية قد تحرق المنطقة بكاملها، لأن استمرار تصرف «إسرائيل» ك«دولة فوق القانون» والحماية الأمريكية التي تتكئ عليها، لن يدفع الفلسطينيين إلى الشعور باليأس والإحباط بقدر ما يستنهض روح المقاومة لديهم وربما يدفعهم إلى الانفجار، حتى في أحلك الظروف التي تبدو فيها قياداتهم المنقسمة وفصائل مقاومتهم التي شاخت عاجزة عن فعل أي شيء.
younis898@yahoo.com