جزيرة المتقاعدين
أمل حمد المسافري
بعد سنوات طوال من الجد والكفاح والبناء ترجل فارس العطاء عن جواده، مسلماً إياه لمن تبعه، ومتقدماً نحو حياة جديدة تعمها الراحة ويغلفها
الهدوء، نعم يستحق الآن أن يستريح فقد قدم حياته كلها لبناء بلده..
توجه فارسنا في يومه الأخير إلى العمل ليجد حفلاً يليق بسنوات خبرته وشكر من مسؤوليه وزملائه وظرف مغلق كتب عليه (ظرف
السعادة),, أخذ شهادة تقديره وهديته وظرفه المغلق مودعاً أجمل سنوات عمره في ذلك المكان.
استقبلته زوجته وأبنائه بحفل آخر مقدرين عناءه في سبيل رعايتهم.
جلس فارسنا إلى المنضدة مستذكراً أحداث يومه البهيج وتذكر ذلك الظرف المغلق فسارع إلى فتحه ملهوفاً، ووجد ما يلي:
رسالة تفيد بأن راتبه سوف يصرف كاملاً وسيتم استقطاع علاوة المنصب فقط بطاقة دعم من الحكومة على (الجمعيات التعاونية، البنزين،
فواتير الكهرباء والماء، فواتير اتصالات، ) بطاقة خصم على الرحلات والسيارات والمحلات والجامعات والمدارس والبناء والأثاث وشهادة بأسهم
تم شراءها باسمه في صناديق استثمارية عالمية (من بعض المخصصات الشهرية التي خصمت من راتبه) اشتراك مدى الحياة في نادي
صحي ليهتم بما تبقى من صحته عضوية لنادي #خبراء_الوطن الذي تشرف عليه الحكومة ويقوم من خلالها بنقل خبراته إلى الجيل الجديد
عن طريق الدعم والتوجيه بطاقة تتيح له أولوية إنجاز المعاملات الحكومية تكريماً لجهوده ورسالة من صاحب السمو رئيس الدولة باسمه
يشكره فيها على انجازاته ووفائه..
وضع فارس العطاء الظرف جانباً وتوسد يمناه هادئ البال فهذا التكريم كفيل بأن يحقق له السعادة لما تبقى من عمره..
رن الهاتف ليستيقظ #فارس_العطاء على مكالمة هاتفية من صندوق المعاشات تعلمه بأن معاشه التقاعدي أصبح ثلث راتبه الاجمالي..
تلفت حوله باحثاً عن ظرف السعادة ليكتشف أنها كانت أضغاث أحلام..
نعم يا سادة فهذه المطالب البسيطة هي كل ما يتمناه المتقاعد، وجميعها متاحة وقابلة للتطبيق في بلد لا يؤمن بالمستحيل ويضع العنصر
البشري على رأس أولوياته.
إن دولة الإمارات العربية المتحدة قائمة على فكرة فرق العمل وجميعنا أعضاء في هذا الفريق الكبير ،، وكون قادتنا قد عززت لدينا روح المبادرة
والمشاركة الوطنية الإيجابية فنحن هنا ننقل لهم بعض همومكم وتطلعاتكم منهم ونقترح بعض الحلول تعزيزاً لقيم المواطنة الإيجابية
ومساندة للقيادة ليصلوا إلى مؤشر سعادة مستدام يرضي تطلعاتهم.
وهذا الطرح لا ينتقص أبداً من الجهود الحثيثة التي تبذلها قيادتنا من أجل رفع مستوى معيشة الفرد وإنما يبحث عن تكامل الجهود وتطويرها،
ويبحث عن متخذي قرار قادرين على ترجمة توجيهات قيادتنا إلى أنظمة ولوائح ومبادرات تجعل من عيال زايد أسعد شعب على الدوام.
إن من أبسط حقوق الموظف المتقاعد بعد تفانيه في خدمة الوطن أن يكرمه الوطن بحفظ على الأقل 80% من راتبه ( الإجمالي).
وهنا ظهرت الكثير من الأصوات المعارضة بحجة أن هذه الأموال تعتبر استنزافاً هائلاً من ميزانية الدولة، وقد أتفق معهم ولكن هل يعني ذلك
أن نقف مكتوفي الأيدي أمام معاناة المتقاعدين والتي تتفاقم مع التضخم الذي تشهده المنطقة ليزداد الجرح!
إن هناك الكثير من الحلول التي من شأنها تعزيز دور الهيئة العامة للتأمينات والمعاشات الاجتماعية ومنها:
صياغة تشريعات وقوانين مالية تمكن صناديق المعاشات من أن تكون قادرة على إدارة وتنمية أموال المشتركين من خلال الاستثمار لضمان
نسب عائد كبيرة على أموال هذه الصناديق، حتى لا ترهق خزينة الدولة ،
وهناك الكثير من صناديق المتقاعدين التي تعد من أهم الأدوات المالية المؤثرة في أسواق المال العالمية، مثل صندوق تقاعد كاليفورنيا في
الولايات المتحدة، حيث بلغ قيمة العائدات إلى 140 مليار دولار أمريكي في الفترة من (1999 – 2017) ويسمح فيه لغير المشتركين بالصندوق
بالمساهمة وشراء حصص منه.
وعلى سبيل المثال فإن صندوق الضمان الاجتماعي السويسري قد بلغ حجم استثماراته في صناديق التقاعد من قبل المؤسسين
المستثمرين 40% من إجمالي 363.3 مليار فرنك سويسري أي ما قيمته 333.6 مليار دولار أمريكي
ومما يميز صندوق التقاعد السويسري أيضاّ أنه يتضمن على ميزة الإدخار الخاص، أي أنه باستطاعتك الادخار في الصندوق إختيارياً عبر
حساباته المصرفية والحصول على عوائد مالية على مبلغ إدخارك.
وفي حال صعب على هذه الصناديق إدارة إموالها فيمكننا إسناد هذا الدور إلى مؤسسات ضليعة وناجحة في الاستثمار وجاهزة بإمكانياتها
وسياستها ومواردها، وأذكر هنا جهاز أبوظبي للاستثمار على سبيل الذكر والذي يعد من أكبر الصناديق السيادية التي تفوقت في تنمية
الأموال .
لابد وأن تدار الدفة ونبحر باتجاه جزيرة المتقاعدين.