غير مصنفة

جيرمي كوربين في السلطة

د. محمد الصياد

بيرني ساندرز الذي تطرقنا في الأسبوع الماضي لتصاعد الانتقادات ضده بسبب خذلانه لجمهوره من الشباب والشابات الأمريكيين الذين راهنوا عليه في فك عقدة الخلل التنموي الأمريكي، هو ليس جيرمي كوربين زعيم حزب العمال البريطاني المعارض في فهمه لجوهر الصراع المجتمعي وأولويات عمل قوى التغيير التي يمثلانها، وفي مواقفه المبدئية من القضايا المحلية والعالمية الجوهرية. ربما مثَّل القطبان في أعين جماهيرهما، الفرصة الوحيدة المتاحة أمامها لإحداث التغيير في بلديهما اللذين مازالت نخبتاهما الحاكمتان مصممتين على توجيه دفة إدارتهما لصالح حائزي الثروة وإدارة العالم بعقلية الاستعمار الكولونيالي المباشر وغير المباشر.
وإذا كان ساندرز قد خذل الحركة التي صارت تحمل اسمه والتي تضم جمهوراً غفيراً من الشباب والشابات الأمريكيين الذين راهنوا عليه كثيراً، بقراره الصادم تحويل وتجيير أصوات قاعدته الانتخابية لصالح هيلاري كلينتون، فإن من غير المضمون، بالمقابل، أن يلتزم كوربين بالخطاب الوطني الذي ميّز مسيرته النضالية داخل حزب العمال في حال تسلمه رئاسة الحكومة البريطانية. فقيادة الدولة وقيادة الحكومة والشعب تختلف عن قيادة الحزب وجماهيره.
هنا سوف نتذكر أنه في ستينات وسبعينات القرن الماضي تم تفريغ أرخبيل «تشاغوس» من سكانه بالقوة وترحيلهم إلى موريشيوس وسيشيل المجاورتين، حيث مات بعضهم كمداً، فيما جرى تحويل أكبر جزره، وهي جزيرة «دييغو غارسيا» الواقعة في وسط المحيط الهندي إلى قاعدة عسكرية أمريكية بموجب اتفاق سري بين بريطانيا والولايات المتحدة مقابل حصول بريطانيا على خصم مقداره 14 مليون دولار على غواصة «بولاريس» النووية. والذي قام بهذا العمل كان حكومة عمالية.
اليوم يعلق هؤلاء النازحون آمالهم من جديد على الزعيم العمالي كوربين لإنصافهم. تماماً كما يتطلع إليه الفلسطينيون لإعادة النظر في جريمة وعد بلفور التي اقترفتها بلاده عام 1917 وأدت إلى كارثة تشريد شعب بأكمله عن أرضه وإحلال مهاجرين جيء بهم من أوروبا ومن بعض أصقاع الأرض ليحتلوها ويقيموا فيها، وكما يتطلع إليه العراقيون الذين راحوا ضحايا أطماع حزبه الكولونيالية بزعامة توني بلير، لتصحيح جريمة الحرب التي تواطأ في شنها مع الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش في عام 2003.
ويذكر التاريخ أن حكومة حزب العمال البريطاني هي التي أرسلت المحامي اللندي جوردن رادكليف في عام 1947 لتقسيم الهند، وهو الذي لم تطأ قدماه أرضها يوماً. وحكومة العمال برئاسة كليمنت أتلي (1945-1951) هي التي أرسلت الجنرال دوغلاس غراسي إلى سايغون لإعادة تسليح الجيش الياباني المهزوم في الحرب العالمية الثانية، لمقاتلة الفيتناميين لمنعهم من تحرير بلادهم. كما يذكر التاريخ أن وزير الدفاع في حكومة العمال دينيس هيلي، هو الذي بادر إلى إنشاء «هيئة مبيعات الأسلحة» (DSO) لترويج تجارة السلاح البريطاني في الخارج. حتى وزير الخارجية روبن كوك في حكومة العمال الذي تشدق بإدخال الأخلاق ومعايير حقوق الإنسان في السياسة الخارجية البريطانية، والذي كتب يوماً «بأن كل حرب خيضت في العقدين الأخيرين، كان طرفاها الدول الفقيرة المحاربة والدول الغنية البائعة للسلاح».
بحسب تعهدات جيرمي كوربين فإن حكومته، في حال وصوله إلى السلطة ستنظر في إعادة النازحين من أرخبيل «تشاغوس»، لكن من دون تعويضهم، ومن دون إعادة النظر في الاتفاق المعقود مع أمريكا الذي تم تجديده مؤخراً لمدة 50 عاماً أخرى، وكذلك سوف تعترف بدولة فلسطين ولكن من دون الإفصاح عما إذا كانت ستوقف مبيعات السلاح إلى «إسرائيل» أم لا، وما إذا كانت ستوقف التجارة غير المشروعة للمنتجات المصنّعة في المستوطنات «الإسرائيلية».
ما من شك في أن جيرمي كوربين شخصية سياسية بريطانية تبدو من طراز مختلف عن الشخصية السياسية البريطانية المنحازة تاريخياً للتيار المحافظ، تستوي في ذلك نخبة حزب العمال مع نخبة حزب المحافظين. شخصية كوربين تتميز بالاستقامة والبساطة ونصرة قضايا الشعوب المضطهدة ومنها قضية الشعب الفلسطيني. يقول كوربين: «إننا أصبحنا التيار الرئيسي في البلاد». نعم هو كذلك، إنما كل ما نرجوه أن يكون كوربين في السلطة هو ذاته كوربين الذي نعرفه الآن.

alsayyadm@yahoo.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى