حديث تسريبات العتيبة
حبيب الصايغ
تعود قطر إلى اجترار نظرية المؤامرة التي أكل الدهر عليها وشرب، فيما ينظر العالم كله إلى أسلوبها في تعاطي السياسة والإعلام باستغراب وذهول: هل استدرجت الجماعة الدولة إلى تلك الدرجة الفاضحة؟
آخر تجليات ذلك ردود أفعال الدوحة وواجهاتها وأبواقها الإعلامية على تسريبات يوسف العتيبة سفير الإمارات في واشنطن الذي تعرض بريده الخاص للقرصنة، حيث اشتدت الحملة المسعورة ضد الإمارات ورموزها، وبلغت مبلغاً لا يستوعب أن توجهه أو تقوم به دولة، الأمر الذي يشكل استفزازاً صارخاً، يضعه شعب الإمارات الذكي الواعي في حجمه الصحيح لا أكثر أو أقل.
الحقيقة الأولى التي يعرفها شعب الإمارات، ويبدو أنها كانت مجهولة لدى الواجهات والأبواق القطرية أن العتيبة واحد من أنشط السفراء في واشنطن، وقد يصنف ضمن أفضل ثلاثة سفراء في العاصمة الأمريكية، كما يوصف بأنه الأكثر فاعلية وتأثيراً. في ضوء هذه الحقيقة تقرأ التسريبات ثم تفسر تفسيراً سياسياً وموضوعياً من دون تأويل، كما تعمد أبواق الجارة الموتورة.
تسريبات العتيبة إنما تشير، بقوة، إلى قوة الإمارات، وإلى حضور الإمارات الإيجابي في صميم الفعل العالمي، وحين يغمز أحد الموتورين أو يلمز معترضاً على اتصالات يوسف العتيبة – روبرتس غيتس وزير الدفاع الأمريكي السابق، فإنها ليست إلا النظرة الانتقائية الضيقة. سفير الإمارات كان على اتصال وتنسيق مباشرين مع وزير الدفاع الأمريكي، ما يدل على أهمية السفير وأهمية دولته، فموتوا بغيظكم يا مهرجي الإعلام في الجارة الموتورة، ومت بغيظك خصوصاً يا أنت يا مذيع «الجزيرة» أحمد منصور، لكن النصح في مقامنا هذا واجب أخلاقي: الأفضل أن تنسحب، غير مأسوف عليك من المهنة الإعلامية المحترمة، وأن تشترك في مسابقة أثقل دم مذيع في العالم، ففوزك مضمون.
ما علينا، نعود إلى موضوعنا: ينظر شعب الإمارات إلى تسريبات العتيبة وكأنها بيان صريح يؤكد انسجام سياسة الإمارات التي تقال في العلن أو تقال في الكواليس والغرف المغلقة، وبيان ذلك أن ما ورد في التسريبات عن التعاون والتنسيق مع المملكة العربية السعودية الشقيقة هو أمر حقيقي، فلا تخفى على أحد الشراكة الاستراتيجية بين البلدين الشقيقين، وفضلاً عن العاطفة الصادقة والعميقة التي تجمع القيادتين والشعبين، تجمعهما المصالح المشتركة. هكذا تعمل الأوطان من أجل شعوبها فاسمعي يا جارة.
موقف الإمارات من قطر وتوجهاتها أيضاً واحد في السر والعلن، وحين تذهب سياسة قطر في غيها وتخبطها بعيداً عن اتفاقات وتعهدات والتزامات منظومتها الخليجية، وحين تحتضن الدوحة التيارات الإرهابية والمتطرفة خصوصاً تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي، وخصوصاً، كما تبين لاحقاً، للأسف الشديد، تنظيم «داعش» الإرهابي، الذي ظل الإعلام القطري «يدلعه» طول الوقت ب«تنظيم الدولة»، وحين تتخبط السياسة القطرية تجاه السعودية أو اليمن أو سوريا أو لبنان أو ليبيا، وحين تتورط أياديها بالعبث تجاه قضية العرب الأولى والمركزية فلسطين، أو تقف موقفاً معادياً من مصر، وحين تذهب واجهات قطر السياسية والإعلامية إلى تأجيج الفتنة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين في أرض الكنانة، وحين تتنكر الدوحة منذ اتفاق الرياض التكميلي متبوعاً بقمة «التعاون» في الدوحة لكل ما وقعت عليه، خصوصاً الموقف الجمعي من ايران وأطماعها التوسعية في منطقتنا ومحاولتها تصدير فكرة الولي الفقيه البائسة، فإن سياسة دولة الإمارات الأخلاقية والمبدئية ستقف حتماً إلى جانب قيم الحق والعدل والتسامح، وستعمل بكل أجهزتها وطاقاتها، وسفارة الإمارات في واشنطن ليست استثناء، وكل سفارات الإمارات في كل عواصم العالم ليست استثناء، نحو تأكيد سياستها، وتطويق ومحاصرة كل سياسة نقيضة.
حين نتكلم عن «الإخوان المسلمين»، فنحن نتكلم عن خطر لمسناه بأيدينا على تراب الإمارات الوطني، وفي خلال محاكمة أعضاء التنظيم السري غير المشروع رأينا بأم أعيننا كيف تردد اسم قطر عشرات المرات في المحاكمة العلنية بحضور أهالي المتهمين وممثلي الصحافة والمجتمع المدني، ورأينا كيف أرسل القرضاوي دعم التنظيم المادي إلى الشرذمة القليلين في الإمارات، وكيف قبض على القطري الجيدة متلبساً وهو يحمل مبلغاً مادياً ضخماً لمساعدة أعضاء الجماعة في الإمارات، ثم رأينا كيف تورطت المخابرات القطرية في فضيحة مجموعة «بوعسكور» التي تطاولت بأبشع وأقبح الألفاظ على رموز الإمارات، وعلى رأسها القائد الرمز، حكيم العرب، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه.
ماذا نتذكر وماذا ننسى يا قطر؟ لكنا سنذكرك بأن الجيدة المحكوم بالسجن والذي كان موقوفاً، وعناصر المخابرات القطرية المحكومين بالسجن، بمن فيهم عنصر المخابرات الذي كان موقوفاً، أفرجت الإمارات عنهم بعفو رئاسي كريم، فماذا ننسى وماذا نتذكر يا قطر؟
وتستكثرين أيتها الجارة الموتورة أن تعمل الدبلوماسية الإماراتية وفق أخلاقها ومبادئها؟
لا يرجى خير من كل متمسك في كل القضايا بحكم مسبق. هذه هي الحقيقة، وهذه حقيقة قطر، حيث فكر الجماعة مسيطر على فكر الدولة إلى أبعد مما يتصور أو يعقل، إلى درجة إحراج الدولة في كل محفل أو موقف.
ومهما عملت الإمارات، فهي في نظر الدوحة مقصرة ومسيئة، لأن الإمارات تمثل أنموذج التنمية والحداثة والتسامح والانفتاح والمساواة والتفاؤل والفرح، فيما تمثل قطر الأنموذج النقيض، فحين ينتخب العالم، كل العالم، أبوظبي، عاصمة للعالم في مجال الطاقة الجديدة والمتجددة، تذهب أبواق قطر وقناة الجزيرة المريضة إلى أن استضافة «آيرينا» إنما تهدف إلى رفع العلم «الإسرائيلي» على أرض الإمارات، وعندما تفتح الإمارات قلبها وذراعيها للأخ الصديق، الآخر، الإنسان، المسيحي أو الهندوسي أو البوذي، الإنسان في مطلق المعنى، كأن تستضيف البابا تواضروس، أو توافق على بناء معبد هندوسي، أو تزور قيادتها بابا الفاتيكان، فإن ذلك، في النظر السقيم الأعوج لواجهات قطر، ضد ثوابت الإسلام، وكأن إسلام قطر، هو ذاته، إسلام «الإخوان»، بل أبعد من ذلك، إسلام «داعش».
وبمناسبة ذكر «داعش» فهذه دعوة إلى الأمير تميم لمشاهدة تقرير قناة الجزيرة عن مسلسل «غرابيب سود» الذي يتناول درامياً جرائم تنظيم داعش الإرهابي.. لا يمكن ألا أن يكون كاتب التقرير «داعشياً»، ولا يمكن آلا أن يكون فريق العمل تابعاً مباشرة للخليفة المزعوم البغدادي، فماذا نتذكر وماذا ننسى من قطر؟
بين هذا وذاك نؤكد اعتزازنا بتسريبات سفيرنا يوسف العتيبة، فماذا عن تسريبات أميركم؟ وماذا عن تسريبات أبيه من قبله، يوم هاتف القذافي وكله اعتزاز بإطلاق قناة الحوار في لندن، وكله ثقة بانتهاء حكم آل سعود في نحو 12 سنة.أين آل سعود والسعودية اليوم، وأين قطر؟
العزلة لا تجر إلا المزيد من العزلة، وأخشى ما يخشى أن تؤدي عزلة الجارة الموتورة إلى كآبة لا شفاء منها.
habibalsayegh778@gmail.comOriginal Article