حراك لأجل القدس
علي قباجة
أن يخفت الحراك الشعبي والرسمي، حول إعلان ترامب المشؤوم، فهو المصيبة الأخرى المرادفة لهذا القرار الأمريكي المجحف. تأجيج الانتفاضة هو مطلب ملح حتى تتراجع أمريكا عن وعودها في القدس، وأيضاً رسالة مهمة لـ «إسرائيل» أنه وإن اعترفت واشنطن بالمدينة المقدسة عاصمة للكيان، فإن الفلسطينيين لم ولن يقبلوا بأن تفرض عليهم مؤامرات، ولو دفعوا في سبيل ذلك دماءهم، فالواقع لا تغيره القرارات الجوفاء الفاقدة لشرعيتها ومضمونها.
التصعيد مطلوب على كل المستويات، لأن التراجع كفيل بدفع الفلسطينيين ثمناً مضاعفاً، وأن يدفع الإدارة الأمريكية إلى التماهي في مزيد من الإجراءات التهويدية، ويعطي المسوغ لدول أخرى إلى الحذو حذو أمريكا ونقل سفاراتها إلى القدس المحتلة. فتصاعد وتيرة المواجهات، واستخدام خطاب سياسي قوي داعم للشعب في حراكه هما مطلب المرحلة، وأي ارتكاس في ذلك، أو القبول بمسكنات دولية سيميت القضية ويدفعها كثيراً للوراء.
القرار الأمريكي هو لعنة أصابت «إسرائيل» فهو أعاد للقضية لبها وجوهرها، وكشف عن قلوب الملايين في العالم الذين يرتبطون روحياً في قبلة المسلمين الأولى، وخرجوا برغم كل الظروف ليعلنوا رفضهم أي مساس في المقدسات. القرار أعاد البوصلة إلى فلسطين، بعد أن أُدمي العالم العربي في صراعات همشت القضية وجعلتها في ذيل الاهتمامات.
الرد على القرار لا بد أن يتجاوز الخطابات والإدانات وأن يرقى من مستوى القول إلى الفعل، فالغطرسة الأمريكية و«الإسرائيلية» في أوجها، ووصلت إلى مراحل متقدمة في عمليات التهويد والضم، وإهانة المقدسات، وكل ما يمس الفلسطينيين. الحرب معلنة منذ احتلال فلسطين، والدعم الأمريكي لم يتوقف منذ ذلك الحين، لكن ترامب مؤخراً كشف تماماً عن هذا الغطاء، وهذا الوضوح في مسار الإدارة الأمريكية الداعم للاحتلال، من المفترض أن يقابل بغضبة عربية رادعة، تمتاز بالحدة على حساب الدبلوماسية.
تاريخياً «إسرائيل» لا يمكن أن تذعن لشيء إلا إذا أجبرت عليه، والمطالبات باللجوء إلى المنظمات الأممية لن تجدي نفعاً في ظل تنصل الاحتلال من الكثير من القرارات الصادرة عنها، فالفلسطينيون والعرب من خلفهم قادرون على قلب المعادلة، فهم يملكون العديد من أدوات القوة التي من خلالها ستجبر الولايات المتحدة على تغيير نهجها، والضغط على ابنتها المدللة لإرجاع الحد الأدنى من الحقوق على الأقل.
أما على المستوى الفلسطيني، فمازال خطاب الساسة لم يرق إلى مستوى الحدث، فهم قادرون على إحداث تغيير من خلال وقف أي اتصالات مع الاحتلال، والتنصل من اتفاق «أوسلو»، وإطلاق يد المقاومة ودعمها على الصعد كافة، لإحداث بعض التوازن وإعادة بعض الحقوق، وهذا أضعف الإيمان.
Aliqabajah@gmail.comOriginal Article