حرب الانتخابات في العراق

صادق ناشر
بعد شد وجذب بين القوى السياسية، قررت المحكمة الاتحادية العراقية إجراء الانتخابات التشريعية في موعدها المحدد، والتي ستكون بمثابة معركة أخرى لا تقل شراسة عن المعارك العسكرية التي خاضها العراقيون ضد تنظيم «داعش» خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، لأن هذه الانتخابات ستحدد تموضع اللاعبين القدامى والجدد، وستأتي بقوى جديدة إلى البرلمان لأول مرة، بالطبع منها قوى الحشد الشعبي، التي يثار حولها جدل، خاصة ما يتصل بمشاركتها السياسية.
الانتخابات التي سيشهدها العراق في الثاني عشر من شهر مايو/ أيار المقبل، حيث يضغط رئيس الوزراء حيدر العبادى، من أجل إجرائها، يرى أنها تكسبه مزيداً من الدعم السياسي، منتشياً بالانتصارات التي تحققت على تنظيم «داعش» في الأشهر الأخيرة، خاصة أنه هو الذي أعلن بنفسه القضاء التام على التنظيم في كل أنحاء العراق.
لم يكن الصراع من أجل تأجيل موعد الانتخابات أو إجرائها في موعدها المحدد سوى انعكاس للخلافات السياسية التي تمر بها الساحة العراقية، فالمطالبون بإجراء الانتخابات في وقتها يراهنون على تراكم الإنجازات التي تحققت في المواجهات الأخيرة ضد تنظيم «داعش»، ويرون أنها تمنح الدولة قدرة أكبر على استثمار هذا الانتصار لصالح إعادة ترتيب البيت العراقي بشكل أفضل من السابق، عندما كان الفساد ينخر الدولة بكافة مؤسساتها. أما الرافضون للانتخابات أو المطالبون بتأجيلها، فإنهم كانوا ينطلقون من حقيقة أن الأوضاع في البلاد تستأثر بها فئة معينة من مؤسسة الحكم وأنها تسير بها باتجاه إشراك قوى كانت غائبة عن الساحة خلال السنوات الماضية، ومن شأن دخولها في اللعبة السياسية أن يعيد تشكيل الخارطة الاجتماعية والدينية في البلاد بشكل سلبي، خاصة ما يتصل بميليشيات الحشد الشعبي، التي يصر قادتها على المشاركة في هذه الانتخابات لتوطيد نفوذها، تحت القول بمشاركتها في صناعة الانتصارات التي تحققت في الفترة الأخيرة.
وقد جاء حسم المحكمة الاتحادية إبقاء موعد إجراء الانتخابات قائماً، مكسباً سياسياً للفريق الحاكم، وعلى رأسه رئيس الوزراء حيدر العبادي، الذي يُنظر إليه بصفته واحداً من الزعماء السياسيين الذين سجلوا حضوراً قوياً في المشهد خلافاً لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي. وربما كانت الحرب ضد تنظيم «داعش» والمعركة التي تم خوضها لقمع النزعة الاستقلالية للجماعات الكردية، من القضايا المهمة التي سجلت له هذا الحضور، فقد تعاطى الرجل مع الأزمتين بنوع من المرونة والحزم معاً.
من المبكر الحكم على كيفية توزع المكاسب بين الأطراف السياسية في العراق خلال المرحلة المقبلة، لكن من الأكيد أن المعركة الانتخابية ستشهد بروز قوى جديدة بعضها سيكون مؤثراً في المشهد، فيما البعض الآخر سيكون حضوره متمماً لمتطلبات المرحلة المقبلة، خاصة ما يتصل بالتعايش بين مختلف الطوائف، وستنزوي قوى أخرى كان لها حضور قوي خلال السنوات الماضية، لكن الخوف أن يحدث تصادم بين القوى التي ستخوض الانتخابات، ما ينعكس على الاستقرار المطلوب للعراق في هذه المرحلة، خاصة بعد خروجه من دوامة الاحتلال الأجنبي والحروب الداخلية، التي كلفته الكثير من الخسائر البشرية والمادية لا تزال آثارها باقية حتى اليوم.
sadeqnasher8@gmail.com