حروب أخرى على الإرهاب
خيري منصور
كي لا يتكرر تضييق مفهوم المقاومة بحيث تقتصر على بعد واحد، وبالتالي اختزالها إلى المواجهة بالمعنى الميداني، يجب التذكير بأن الحرب على الإرهاب لا تقبل الاختزال أيضاً، فكل حرف مضيء يكتب هو حرب على ظلامها، وكل أغنية صباحية تمجد الحياة هي أيضاً حرب عليها، وكل ما في قوس قزح من أطياف وما في الغابات من حفيف مضاد لها ولثقافتها المشحونة بالحقد والكراهية.
وهناك تجارب لشعوب عانت الاحتلال كفرنسا في أربعينات القرن الماضي، كان مجرد صدور صحيفة اسمها «كومبا» مقاومة، والبقاء على المقاعد في مسرح يعرض مسرحية «الذباب» لسارتر مقاومة، وكان بائع الكتب على ضفاف نهر السين يتعمد مناداة المارة، ومنهم جنود الاحتلال على عناوين ذات دلالة في التاريخ الفرنسي، ويردد أسماء فلاسفة من طراز فولتير ومونتسكيو وروسو لتذكير الغزاة بموروث بلاده الحضاري.
ولكيلا تبقى المواجهة الأمنية وحدها في الساحة ضد الإرهاب، فإن الإسهام الثقافي والفني وكذلك التربوي مفاعيل بالغة الأهمية والنفوذ في هذه الحرب، مادام هدف التطرف المؤدلج بالعنف والمدجج بالكراهية هو إعادة البشرية إلى ما قبل التاريخ وما قبل الدولة!
ولا ندري لماذا يستخف البعض بهذه الأسلحة الناعمة، اعتقاداً منهم بأن الحديد لا يفله غير الحديد.
ولكي تستكمل الجبهة الثقافية أدواتها في هذه الحرب، عليها أن تبشر بالحياة وتنشر الأخضر بديلاً للأسود القاتم، وتدافع عن حقنا جميعاً في الحب والحرية والتنقل بلا خوف، عبر خطوط الطول والعرض لهذا الكوكب الذي أصبح بسبب التطرف ملغوماً بالكمائن!
وإذا كان الإرهاب قد طور من أدواته وأساليبه مستفيداً من التكنولوجيا ومنجزاتها، فإن مجابهته تتطلب تطويراً مقابلاً خصوصاً في المجال السايكولوجي الذي يناط به وبخبرائه افتضاح نزعة العدوان، وتفكيك ظواهر التطرف والعنف! ومثل هذه المجابهة المعرفية والتربوية لها بعد استباقي، لأنها تخاطب أجيالاً يراهن الإرهاب على اختطافها والتمدد السرطاني نحو المستقبل!