حصار القدس الإلكتروني
عملية القدس التي نفذها ثلاثة من أبناء عائلة الجبارين في المسجد الأقصى يوم الجمعة الماضي، بقدر ما استدرجت تصعيداً «إسرائيلياً» وحشياً كان من ضمنه تركيب بوابات إلكترونية على مداخل الحرم القدسي، فإنها أيقظت روح المقاومة لدى الفلسطينيين، بعد فترة من التراخي، في مواجهة هذا الاحتلال الغاشم، بل فتحت على ما هو أعمق وأبعد كثيراً من مجرد وقوع العملية بحد ذاتها.
ربما لأن العملية جاءت لتكشف عجز الجميع وتعريهم وتضعهم وجهاً لوجه أمام حقيقة الاحتلال الجاثم على أرض فلسطين وفوق صدور أبنائها ويخنقهم يومياً بإجراءاته القمعية والتعسفية، ويعيدهم بالتالي إلى المربع الأول للصراع بلا رتوش ولا مقايضات أو تسويات.
وعندما يتعلق الأمر بالقدس والمسجد الأقصى، لا مجال للتردد أو حتى التفكير في انتظار حلول من أي جهة أتت، ذلك أن الصراع لا يترك مساحة للاختيار، فهم يريدون كل شيء أو لا شيء، بينما الفلسطينيون ومعهم كل الأمة العربية والإسلامية يريدون استعادة أرضهم وحقوقهم ومقدساتهم. البوابات الإلكترونية والكاميرات التي وضعت لمحاصرة الحرم القدسي، تحت ذرائع أمنية واهية، ليست أمنية بحسب شرطة الاحتلال ووسائل إعلامه، لأنها من ناحية تقنية لا تمنع وقوع عمليات ولا تستطيع أن تتحكم بآلاف المصلين الذين يدخلون الحرم يومياً، وإنما هي محاولة لاستغلال العملية الأخيرة لفرض أمر واقع جديد على القدس والمسجد الأقصى، هذا الأمر الواقع يقضي بتأكيد السيادة «الإسرائيلية» على المسجد الأقصى خلافاً لكل الاتفاقيات والقرارات والقوانين الدولية، والانتقال إلى خطوة التقسيم الزماني والمكاني كما حدث للحرم الإبراهيمي في الخليل. والنوايا «الإسرائيلية» أكثر من واضحة في هذا المجال، وقد أعلن نتنياهو صراحة بأن الظروف الإقليمية لا تساعد على فرض أمر واقع جديد في اللحظة الراهنة، ولكنها موجودة، وترجمة هذه النوايا عملياً يظهر في إقرار لجنة وزارية في الكيان لما يسمى قانون «القدس الموحدة»، والذي سيتم عرضه قريباً على «الكنيست» لإقراره.
على الأرض، يرفض الفلسطينيون الدخول عبر البوابات الإلكترونية ويواصلون تحدي الاحتلال بإقامة الصلوات أمام هذه البوابات في الخارج، وبينما المسجد الأقصى بلا أذان ولا صلوات منذ يوم وقوع العملية الفدائية، يسمح لقطعان المستوطنين باقتحام باحات المسجد الأقصى وتدنيسها في تأكيد جديد على نوايا الاحتلال بمواصلة مشروعه الهادف، ليس إلى تهويد المسجد الأقصى، بل إزالته من الوجود لإقامة الهيكل المزعوم في مكانه. لكن بقاء هذه البوابات الإلكترونية هو أولاً وقبل كل شيء يمثل استفزازاً يومياً للمقدسيين ومن خلفهم الفلسطينيون والعرب والمسلمون، ومن أمامها تندلع المواجهات مع الاحتلال، ومن الواضح أنها ستكون منطلقاً لإشعال انتفاضة فلسطينية جديدة لن تقتصر، هذه المرة، على المقدسيين والفلسطينيين، ولكنها قد تفجر المنطقة برمتها، ما لم يتم وضع حد لغطرسة الاحتلال وإعادة الأمور إلى نصابها قبل فوات الأوان.
يونس السيد
younis898@yahoo.com