حكاية رجل في دول
مريم البلوشي
هل عاش أحدنا متنقلاً بين دول العالم يبحث عن وطن؟ هل عاش بعضنا ينتظر لحظة «لم الشمل» يلتقي بأهله، أمه تلك التي كبرت وهي تنتظر أن تعيش مع الكل في بيت واحد يلتف حولها الأحفاد، وغصن شجر مثمر يشبه شجر الزيتون؟ هل توالت عليك الأخبار حلوها ومرها من سلك طويل يسمى «هاتفاً» في بيوت الأغراب والأصدقاء؟ هل توشحت ليلاً غريباً دون زوج أو أبناء؟ وهل أدركت يوماً رحيل أخ لك، وأنت بعيد، يخاطبك أحدهم: رحل قبل ساعة؟ هل كانت تلكم الفنادق بيوتاً لك، واستطاع الوقت أن يقف في داخلك حتى تمحو ذاكرة اللجوء والغربة لما يزيد على 40 عاماً؟ هل كتبت من رحم النزوح واللجوء؟ هل غُيبت عن طفلك الرضيع، وصرت والأم شريدي البال والفكر، ماذا يحمله الغد؟ هل ولدت لديك الحالة الانتفاضية لتصبح بقايا حكايا الكبار حين تلتقيهم، تحاول أن تتذكر ملامحهم قبل أعوام فتفرح بهم؟ هل صرت بين الدول راحلاً لا تدري أيها تسميه وطناً، جوازات كثيرة وأوراق كثيرة وحياة تبدأ لتترقب يوم الرحيل عنها في أمكنة عدة؟ هل طاردتك حالة العيش في غرف حتى لا يصبح الاستقرار مقيتاً ومؤلماً لحظة المغادرة، وترك الذكريات؟ وهل أنت اليوم تدرك نعمة أن تعيش عمراً في مكان ما، مع أمك وأبيك، إخوتك وأخواتك ولا يشار إليك بأسئلة لا حصر لها، سقفك فوق رأسك، وحولك كل الحياة التي تريد، تسافر متى ما شئت، وتعود دون قلق أو خوف، لا تنتظر خلف الحدود أو تحتجز بالساعات حتى يقودك أحدهم لبوابة الخروج بعد حالات من الأسئلة؟ من ينظر من خلف النافذة فينا في بلد المهجر، في مكان بعيد ويتأوه وتخرج التنهيدة مسائلة نفسه وحاله: متى يصبح الزمن حياتي، أُسِرتُ في الوقت ولا أعرف كيف أعود؟ هناك الكثير حولنا من اللاجئين، المغيبين عن الوطن، عن الأهل وحتى عن معرفة أين هم!
وبعد قراءة في كتاب «رأيت رام الله» لمريد البرغوثي، أدركت أن قصص المغتربين في أقاصي العالم من اللاجئين هي قصص تدمي الفؤاد، خلّفت الكثير من الأدب الذي نقرأه اليوم ونتعايش معه، نعيش لحظة الخروج ولحظة العودة للمصير المغيب، جعلوك تبكي معهم غربتهم، وتحمد الله على ما لديك، لا تفنى الحياة بداخلهم رغم الوجع، رغم تشتيت الشمل، ورغم بعد المسافات، لا يباغتك أحدهم بالحسد والحقد فهو مشغول بما لديه، لا يريد أن يكون جسراً من نتوءات الزمن، الذي لا شغل له سوى التمرد والتذمر من أصحابه. خذ قلبك وسافر عبر كُتُبِ من كَتَب عن عودته لوطنه بعد عقود، وتفحصها، واقرأ لمن يريد أن يعود ولا يريد، قَلِبْ تلك الكلمات في قَلْبِكَ، واحتمل كثيراً من الألم، وقل «الحمد لله على الوطن»، على من يسرهم لقيادتنا والمحافظة علينا. اقرأ شعر الحياة في سطورهم، ووصفهم ليومياتهم وشهدائهم، وستعرف في كل مكان هناك تضحيات وحب كبير لا يختلف عليه أحد لمكان واحد اسمه «الوطن».
mar_alblooshi@hotmail.com