غير مصنفة

حكم قول: «البقية في حياتكم»

د. عارف الشيخ

نسمع في هذه الأيام أسئلة من بعض السائلين من قبيل: البقية في حياتكم، يقولها الشخص إذا أراد أن يعزي آخر.
أو مثل: فلان رحمه الله، أو: هذا مسجد المرحوم فلان وغيرها من أمثالها كثير مما نسمعها في هذه الأيام فيا ترى ما حكم الشرع في ذلك؟
أقول: لا تشددوا فيشدد الله عليكم، وفي الحديث: (إنما أهلك الذين من كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم).
فقول شخص لشخص آخر يتقبل التعازي في وفاة عزيز عليه: «البقية في حياتكم» ينبغي ألاّ يحمل على معنى سيئ أو معنى محظور.
لأنه بالطبع لا يقصد أن الميت مات من غير أن يستوفي حقه من الحياة، وأن ما تركه من حقه من الحياة يضاف إلى حياتك.
نعم… هو لا يقصد هذا وإنما يقوله من باب التفاؤل فكأنه يريد أن يقول له: أسأل الله تعالى أن يكتب لك عمراً أطول من عمره، وكل شيء عند الله بقضاء وقدر.
وقد قال الشيخ ابن عثيمين في مثل هذا بأنه لا بأس به وإن كان الأولى أن يقول: إن في الله خلفاً من كل هالك.
إذن فإن قول: «البقية في حياتكم» لابأس به إذا لم يحمل معنى سيئاً، ومثله قولهم : «فلان رحمه الله تعالى» أو: «المرحوم فلان»، لأنه يقول ذلك من باب التفاؤل، ونجد مثل هذا في كتب السلف كثيراً.
وعلى سبيل المثال لا الحصر تجد على غلاف كتاب «الخصائص الكبرى» لجلال الدين السيوطي مكتوباً: أبو الفضل جلال الدين السيوطي الشافعي المتوفى سنة ٩١١ هجرية رحمه الله.
ومكتوب على ظهر حاشية سيدي حمدون بن الحاج على شرح الشهير بميّارة لمنظومة ابن عاشر على مذهب الإمام مالك بن أنس رحمهم الله أجمعين.
وكان المشايخ الكبار في الحرمين وفي الجامع الأزهر والجامع الأموي وكل الجوامع عبر العواصم الإسلامية، كانوا يفتتحون دروسهم بقول: قال المؤلف رحمه الله أو قال المصنف رحمه الله، ولم ينكر عليهم أحد، لأنهم بالطبع لا يقصدون الجزم في شيء على خلاف إرادة الله عز وجل.
لكن المؤمن عادة يتفاءل بالخير ويحسن الظن بأخيه المؤمن دائماً، فلا داعي لأن نطلب منه بصفة الجزم أن يقول: يرحمه الله بدلاً من رحمة الله، فحتى لو قلت: يرحمه الله فأنت لا تدري بأن الله يرحمه أو لا يرحمه، إذ إن الله يرحمه إن شاء سبحانه وتعالى وإلا فإنه لا يرحمه بناء على قولك، فدع الخلق للخالق.
أعود إلى مسألة العزاء فأقول:
لماذا لا نعود إلى المأثور بدلاً من أن نجادل حول عبارة نحن استحدثناها؟ ألم يعلمنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نقول في التعزية: «إن لله ما أخذ ولله ما أعطى وكل شيء عنده إلى أجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب» (رواه البخاري ومسلم).
قال الإمام النووي رحمه الله: هذا الحديث أحسن ما يعزى به (أنظر كتاب الأذكار ص ١٤٩)
ويقول ابن تيمية: التعزية مستحبة وحديث الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من عزى مصاباً فله مثل أجره» حديث ضعيف، وأما قول القائل: مانقص من عمره زاد في عمرك (وهو معنى ما تقوله العامة: البقية في حياتك) فغير مستحب، بل المستحب أن يُدعى له بما ينفع مثل أن يقول: أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك وغفر لميتك (أنظر مجموع فتاوى ابن تيمية).

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى