حكواتي وسط البلد
يوسف أبولوز
رواية «تغريدة البجعة» للكاتب المصري مكاوي سعيد هي حكايات ويوميات وسط البلد في القاهرة.. وهنا يسرد صاحب «ان تحبك جيهان» حكايتين في الرواية.. الأولى حكاية متشرد مثل الجثة الهامدة ممدد على الرصيف، ينهال عليه ضرباً شاب كان بصحبة صديقته أو خطيبته، فقد كان المتشرد يكشف عن شذوذه في الشارع، والحكاية الثانية قصة مجموعة من الأولاد يشبعون أحدهم ضرباً ويطرحونه أرضاً «لكي يزيلوا وشم الصليب عن ذراعه..».
يقول مكاوي سعيد حكاء قلب القاهرة بامتياز في روايته «تغريدة البجعة».. «.. عدت إلى وسط البلد.. تسكعت في مقاهيها وفي شوارعها، بدأت في رصد الأماكن التي كان يتجول فيها كريم، عثرت على بعض ممن هم على شاكلته. اقتربت منهم، منحتهم نقوداً، ثم علمت منهم أن كريم في الإصلاحية..».
في مشهد آخر في مقهى «زهرة البستان» يقول: «تعرفت عليه بمقهى «زهرة البستان» منذ سنة أو يزيد، عندما اقترب مني منحنياً عليّ بجذعه، ويده اليمنى مبسوطة أمامي يطلب نصف جنيه كي يأكل، تأملته ولفت انتباهي أن يده الأخرى ممسكة بشيء لا أتبينه داخل كم الجاكيت المرقع الذي يرتديه..».
المكان اليومي القاهري لمكاوي سعيد هو وسط البلد في القاهرة ومحيطه الأوسع ميدان التحرير،.. مكانه تحديداً سرة وسط البلد حيث ميدان طلعت حرب، ومجموعة من المقاهي أشهرها «ريش»، وفي محيطه مجموعة من المكتبات أشهرها «مكتبة مدبولي».
هيئة مكاوي سعيد «ملامحه، وثيابه» هي هيئة المصري الغلبان.. البسيط حتى أقصى حدود البساطة، ولكن هذا «الغلبان» صاحب الوجه الحنطي المائل إلى السمرة «غرف» من يوميات وسط البلد ليس «تغريدة البجعة» فقط، بل حياته الشخصية وحياته السردية الروائية والقصصية هي ذلك المكان المكتظ بالأصوات والروائح والألوان.
من مطاعم الفول والطعمية، إلى محال الحلويات، إلى السيارات المتراكظة المتقاطعة، إلى باعة الصحف، إلى المقاهي والفضاء القاهري الشعبي. كل ذلك كان مكان مكاوي سعيد الذي كان حتى رحيله أمس الأول يكتب عموداً في «المصري اليوم» يحكي فيه عن شعبيات وتراثيات مصرية قاهرية بأسلوب حكائي أو حتى حكواتي متسلسل رقراق مثل نهر النيل، وكل عمود في حدّ ذاته يمكن ان تنبني عليه رواية أو أنه مقطع من رواية.
عرف عن الكثير من الكتّاب أنهم شعراء أو روائيو أو قصاصو مقاهي الرصيف أو المقاهي المنزوية في الداخل في الظلال، لكن مكاوي سعيد بمفرده شكل ثقافة يومية حكواتية مصدرها المقهى، والشارع، والناس.
مكاوي سعيد نبض الثانية عشرة ظهراً في القاهرة، قبل ذلك بقليل، بعد ذلك بقليل، وربما حتى ساعة متأخرة في ميدان التحرير.. لا يهم.. المهم أنه كان يكتب بقلم حبر سائل.. لأن روحه ترابية مصرية مائية، تعثر على الكلمة البكر.. وتزوجها عذراء للكتابة.