حين تسقط الأوهام
خيري منصور
هذه الآونة التي نعيشها بكل قسوتها وصدماتها المتعاقبة وأزماتها المتزامنة حبلى بما تعجز أجهزة السونار وأشعة x والعرافون أيضاً عن توقعه، وهل هو ذكر أم أنثى، أم مجرد حمل كاذب كالفجر الكاذب؟!
ولدينا من القرائن الآن ما يرجح أن الفترة القادمة ستشهد سقوط جملة من الأوهام، التي تنامت وتفاقمت بسبب التأجيل أو اللا مبالاة!
وعلى سبيل المثال، كان المثقف العربي قبل عدة عقود إذا جازف في الكتابة عن جدلية الدولة والأمة، ينال جزاءه على الفور وهو عتاب قد يصل حدّ العقاب، لأن الحلم بالوحدة العربية لزمن طويل والتشوق إليها حال دون التفكير الهادئ وغير الانفعالي بمسألة بالغة البساطة، رغم ظاهرها المعقد، وهي أن حاصل جمع دول عربية قوية ومتماسكة ومستكملة لنموها أفضل ألف مرة من حاصل جمع دول هشة وضعيفة ومتوقفة عن النمو في طور العذراء! لأن حاصل جمع الأصفار في النهاية هو صفر حتى لو كان بحجم جبل!
وهناك العديد من القضايا التي كان من غير المسموح به الاقتراب منها تعقدت وتقاطعت مع قضايا أخرى متفرعة عنها، ما كان لها أن تتحول إلى إشكاليات عصية على التفكيك والحل لو أن العرب واجهوها بشجاعة، لكن الإصرار لدى البعض على أن السراب الذي تراه العين الكليلة هو ماء صالح للشرب والاستحمام والسباحة أدى إلى تشقق الشفاه من الظمأ.
وما قاله شاعرنا ورددته أم كلثوم عشرات السنين وهو: وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا، غاب عن أكثرنا بسبب فائض العاطفة واندفاعاتها!
وحين تتساقط الأوهام تباعاً، وتتجلى الحقائق يكون الأمر عسيراً على النفس وصادماً، لكن من أهم وظائف الثقافة ترشيد الصدمات وعقلنة ما يبدو غامضاً وغير قابل للفهم!
والعالم تغير خلال العقود الأخيرة كثيراً، وهناك مفاهيم فقدت صلاحيتها ونظريات انتهت إلى المتاحف، لكن هناك من توقفوا عن النمو عند مرحلة ما ولم يروا غير ما يودون رؤيته ولم يسمعوا غير صدى أصواتهم!