مقالات عامة

خميسيّات اللهجات: اللبنانية

عبد اللطيف الزبيدي

لماذا يتكلّم اللبنانيّون لهجتهم المميّزة اليوم؟ إذا كانت «المؤثرات الصوتيّة» الآراميّة (السريانيّة) في اللسان التونسيّ كثيرة، فإنها لدى اللبنانيين أضعاف مضاعفة، فهم يتكلّمون العربية بقواعد الآرامية الفصحى. لقد ظلت هذه اللغة الساميّة القديمة ذات أثر كبير من حيث المفردات والعبارات والنحو والصرف، في المناطق المسيحيّة بالذات.
لن نتوقف عند المؤثرات الدنيا مثل اللاتينيّة، الفارسية، التركيّة، الأوزبكيّة، الأرمنيّة وفرنسيّة «بونجور»، «بونسوار» و«مرسي»، فلبنان له في كل وادٍ منوّعات من الأطباق الصغيرة. السيطرة المشتركة ظلت للعربية وأختها الآراميّة، التي ذكرت دراسات أكاديميّة جادّة أمريكيّة وروسيّة، أن 45% من قواعد اللهجة اللبنانيّة سريانيّة.
أهل لبنان يقلبون ميم المخاطبين نونا: بيتكم، بيتكنْ. للغائبين: كتابهم، كتابن. الآرامية ليس فيها همزة، فيقولون: قراية لا قراءة (المثل التونسيّ: لا قلم لا دواية، لا معمّل ع القراية). فيروز «تبقى ميّل تبقى سْآل» لا اسأل. سْماعْ، اسمعْ. رْجاعْ، ارجعْ. في الأمر من كتب وشرب، يبدأون بساكن وينتهون به: كْتُبْ، شْرُبْ. أمّا القاف ففيها تعادل، منهم الدروز بخاصة يقولون قال والآخرون آل. انعدام حروف ما بين الأسنان، الثاء، الذال، الظاء (مثل المصريّة القديمة) يجعل الكذّاب، كدّاب، بينما الكذب بالزاي. الثعلب، تعلب. ثلاثة، تلاتة، وتليته وتلاتين. يكثر عندهم قلب المدّ بالألف إلى ياء: باب، بيب. في تونس أيضاً يكثر كسر الآخر المفتوح: مرحبا، مرحبِه.ففي الآرامية كسر الفتحة الأخيرة شائع: أنا، أني. في لبنان: حَكى، حِكي، مشى، مِشِي.
تلك مجرّد «مقبّلات» لفتح الشهيّة، وإلاّ فالعمود محدود. من المفيد إلقاء لمحة توضيحيّة على بعض الالتباسات في شأن الآراميّة. تحت هذا المسمّى تنضوي شعوب عدّة تتكلم لهجات متقاربة جدّاً، لكن وقع الكثير من الكتّاب والمؤرخين في الخلط والخبط عند الحديث عن هذه اللغة، كتداخل الديانة في اللغة أو الدولة في اللسان أو الشعب في المنطوق. آشور دولة لغتها الآرامية لا الآشوريّة، والأكديّة لا تختلف عن الأخيرة كثيراً، ولا توجد لغة بابليّة. الفينيقيون تسمية يونانية تعني «الحمر» من صبغ يستخرجونه من قواقع الموريكس، وإلاّ فهم كنعانيون يتحدثون الآرامية. التفسير المقنع هو أن اليهود أطلقوا كلمة «آراميوتا» عليهم، وتعني الوثنيين، فلّما اعتنقوا المسيحية، آثروا كلمة سريان اليونانية التي هي «آسوريان» أي آشوريون، لقوّة دولتهم وذيوع صيتها آنذاك. كان ذلك تخلصاً من «تهمة» الوثنية. اللغط ذو الغلط الآخر، هو الصراع غير الأكاديميّ على الأقدميّة بين العربية والآرامية. انتشار الآرامية شرقاً وغرباً من حدود الصين إلى مشارف أوروبا، قبل الإسلام وبعده بقليل، ليس دليلاً علميّاً مطلقاً على الأقدميّة. لا جديد قطعيّاً بعد في البحوث. كل جدل غير علميّ تعصّب واهٍ. طريف ومفيد كتاب إيليا عيسى: «قاموس الألفاظ السريانية، في العاميّة اللبنانيّة».
لزوم ما يلزم: النتيجة الوديعية: «لبنان ها الكم أرزة اللي عاجقين الكون».

abuzzabaed@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى