مقالات عامة

خواطر في مستقبل اليد

عبد اللطيف الزبيدي

نحن نعرف جيّداً ما هو ماضي اليد وحاضرها، لكن ما هو مستقبلها؟ كيف ستكون حال المهارات اليدوية؟ بعبارة أخرى، ما الذي سيأخذه الذكاء الاصطناعيّ منها؟ المتمسكون بالنظرة التقليدية إلى الفنون، يشعرون بالخوف على مصير الأنامل المبدعة، إذا طافت بنواظرهم أشباح التأملات هذه.
في العقود الأخيرة، أوّل مرّة في التاريخ تجتاح العلوم التقانيّة الفنون. صار الحاسوب ينتج فن الخط، ويفرّخ الخطوط، يفرّعها أفناناً وأفانين. لو تصفح ابن مقلة، خطاط العصر العباسي، مئات المنوعات في كل خط على الحواسيب اليوم، لطار عقله. بنقرة فأرة ترى الأعمال بكل الأبناط، تطبعها من أدق دقيق إلى الجداريّة، ولك أن تختار من بين 16 مليون لون، وأن تخرجها في طباعة ثلاثية الأبعاد. بالمناسبة: دخلنا عصر الطباعة الرباعية الأبعاد. بمجرّد خروج المطبوع، يتحرك ليتخذ شكلاً آخر. في الفنون التشكيلية اختطف فن الجرافيك ببرمجياته الخارقة، المقود وشق دروباً لم يسلكها فنان. في الهواتف المحمولة قطرة من بحر، تتيح لك اللعب بصورتك الشمسية بطرائق شتى من المدارس الفنيّة، انطباعية، سريالية، تكعيبية، كاريكاتور، تلوّن الأبيض والأسود، أو تجعل الملوّن أبيض وأسود، تركّب ما تشاء على ما تشاء. أمّا البرمجيّات العملاقة فتبدع الفنون والجنون. أمّا الرقميّ فأسخى من حاتم، يجود عليك بأروع ما حوته متاحف الفن العالمية مجاناً. ما الذي أبقوه للفنانين؟ على الشاشة تنحت ما تشاء، وتجسّده لك طابعة الأبعاد الثلاثة. حين دمّر الإرهابيون المرتزقة بعض مفاخر «تدمر»، عكف شبان فرنسيون على إعادة المهدّم بالأبعاد الثلاثة: «سنعيدها سيرتها الأولى».
بالبرمجية الموسيقية، تعزف ما تشاء والحاسوب يدوّن بالنوتة ما عزفت ويوزع الآلات، ويصوّر المقامات على درجات صوتية مختلفة وما يقتضيه التصوير من روافع وخوافض، وينوّع الإيقاعات ومدى البطء والسرعة، ويضيف التوافقات المناسبة، فإذا التدوين يؤدّى لك بأشكال لا تحصى. لك أن تضيف مؤثرات صوتية كخرير المياه وزقزقة العصافير والمطر وعزف الرياح. هل سيقول الذكاء الاصطناعي للمؤلف الموسيقي: دع لي الأمر، سأريك مهارات لم تخطر على بال ابن نغم، وسرعات لا يقدر عازف على أدائها. المشكلة هي أن أقصى السرعة هو الثبات. بالفراغ نعرف المادة، وبالسكوت بين الأصوات نفهم الكلام ونحس بالموسيقى، وإلا صارت المادة كتلة واحدة، والموجات الصوتية صوتاً واحداً ممتداً. على العلوم والتقانة أن تكتشف أدواراً إبداعية جديدة لليد، وإلاّ فقدت وظيفتها. يقول الفيلسوف اليونانيّ أناجزاجور: «الإنسان يفكر لأن له يدين»، والوظيفة تخلق العضو.
لزوم ما يلزم: النتيجة الأمليّة: على الذكاء الاصطناعي ألاّ يكون غبيّاً فيجعل اليد تحفة أثرية من العصور البيولوجية..

abuzzabaed@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى